أفلام الحافظة الزرقاء للكاتب الدكتور أحمد خالد توفيق الجزء الثانى
ست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب
.ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب
.ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب
List activity
252 views
• 1 this weekCreate a new list
List your movie, TV & celebrity picks.
46 titles
- DirectorSteven SpielbergStarsRoy ScheiderRobert ShawRichard DreyfussWhen a killer shark unleashes chaos on a beach community off Cape Cod, it's up to a local sheriff, a marine biologist, and an old seafarer to hunt the beast down.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أعترف بأنني لم أضع خطة عامة أتحرك على أساسها في تقديم أفلام الحافظة الزرقاء، وإنما هي العشوائية. لهذا أعترف كذلك بأنه كان لابد أن أقدم فيلم "الطيور" لهيتشكوك قبل أن أقدم فيلم اليوم، لأن فيلم "الطيور" هو المرجع الأهم لكل أفلام المُسوخ التي قُدمت بعده، ووضع القواعد الخالدة لأفلام المسوخ التالية. ولا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس" الذي عرض عام 1975.
وبما أننا لا نعمل وفق خطة معينة؛ فلنتحدث اليوم عن الفيلم الذي صار ظاهرة حقيقية في السبعينيات. يؤرخون دومًا لهذا الفيلم بأنه أول فيلم يبدأ موضة أفلام الصيف حاصدة الإيرادات (Summer Blockbuster).
كنت قد أنهيت امتحان نهاية العام لتوي، وذهبت مع صديق عزيز إلى السينما في يوم صيف حارّ، حيث كانت حشود من الناس تقف خارج دار السينما بانتظار رؤية فيلم العَقد هذا. وبالطبع أعرف لحظات الألم تلك؛ حيث أشعر أنني إن لم أرَ الفيلم الآن سيَتلفُ أو سيبهت ويفقد جزءًا من سحره!
كل إنسان قد رأى هذا الفيلم الآن.. وقد تأكدتْ لنا من جديد حقيقة أن الشاشات الصغيرة تقتل الفيلم قتلاً، ومن رأى الفيلم على الفيديو أو الكمبيوتر عرف قصته، لكنه لم يرَه! فالصورة الكبيرة، وظلام السينما، والجلوس مرغمًا لمدة ساعات، وسماعات الستريو.. هي الطقوس المقدسة للاستمتاع بفن السينما، ومن دونها يتحول أي فيلم إلى حلقة أجنبية مثيرة ليس أكثر. كان الفيلم في قاعة السينما تجربة لا يمكن وصفها، خاصة وأن الناس في ذلك الوقت لم تكن قد رأت شيئًا كهذا من قبل.
لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس"
لا شك أن ستيفن سبيلبرج كان يضع الطيور في ذهنه وهو يخرج "الفك المفترس"
قصة الفيلم هي للكاتب الأمريكي بيتر بنشلي، الذي اشتهر برواياته التي تدور في عالم البحر، وعندما اختار سبيلبرج هذه الرواية الغريبة موضوعًا لفيلمه كان هذا غريبًا؛ لأن الرعب عامة ليس من اهتماماته على الإطلاق.
ويرى عدد من النقاد أن الفيلم -مهما بلغ من ضخامة- لا تتجاوز قصته أن يكون فيلمًا تسجيليًا عن صيد القرش الأبيض العظيم. ربما كان الأمر كذلك، لكن هناك فلسفة قوية في كل قصص المسوخ، وقصص الكوارث الطبيعية التي تحل بقرية آمنة على كل حال، ولهذا ربما تجد في القصة ظلالاً من طاعون ألبير كامي أو ذباب سارتر. السمكة هي عقاب السماء الذي ينزل بالقرية ليعري النفوس ويكشف المنافقين، ثم تهلك في النهاية على يد أكثرهم طهرًا.
هناك خيوط كثيرة جدًا تذكرنا بقصة موبي ديك، ولا شك أن روبرت شو كان يمثل والقبطان "أهاب" في ذهنه. هناك كذلك خيوط كثيرة من "عدو الشعب"؛ مسرحية إبسن الشهيرة.
هناك في القصة الأصلية علاقة بين زوجة المأمور وعالم البحار.. طبعًا لم يكن لها أيّ داعٍ، كما أنها تُضعف تعاطفك مع هذا الأخير، وقد أحسن كاتب السيناريو عندما حذفها بذكاء.
من ضمن عوامل قوة الفيلم كذلك ذلك اللحن القوي جدًّا، الذي وضعه جون ويليامز؛ لحن اقتراب السمكة والذي يشعرك بالخطر الداهم قادمًا. وتقول مجلة إمباير أن نغمة دا - دم - دا - دم هذه صارت أشهر من ضربات بيتهوفن الثلاث في سمفونيته. إن سبيلبرج يستعين دومًا بجون ويليامز ليضع موسيقى أفلامه، ويقول النقاد إن هذه الموسيقى العبقرية تخبر الناس بما يجب أن يشعروا به، أي أنها تسد ثغرات الإخراج..
أضف إلى هذا التصوير الممتاز لباتلر، ثم القرش الميكانيكي "بروس" الذي صنعه خبير المؤثرات بوب ماتي، وهو الذي صنع الأخطبوط العملاق في فيلم "20000 فرسخ تحت الماء"، وقد تكلف القرش ربع مليون دولار وقتها. في الحقيقة كان على الخبير أن يجري دراسات مطولة في معهد سكريبس للأحياء المائية، واستعان بخبير الأحياء المائية بيونارد كامباجو، لأن العالم لا يعرف إلا أقل القليل عن القرش الأبيض العظيم.
كانت هناك ثلاثة قروش من المطاط لتناسب تعدد وجهات نظر الكاميرا. الأسنان لينة لتسمح للقرش بالإطباق على صدر الممثل، وكان الجلد يُغيَّر كل أسبوع لتآكله بالماء المالح والشمس، وكان هناك أربعون فنيًا لتحريك النماذج. لكن التصوير -الذي تم في كرمة مارثا بولاية ماساتشوستس- كان متعسرًا، وكانت النماذج لا تكف عن الغرق.
كان هناك قاربان كذلك، أحدهما صُمم بحيث يتحطم بسهولة لدى هجوم القرش. لكن التصوير كان نوعًا من الفوضى العارمة وكانت المشاكل كثيرة.. ويقال إنه كان سلسلة من المشاجرات لا تنتهي.. والتصوير الذي تقرر له 55 يومًا طال ليستغرق 160 يومًا.
بالطبع مع ظهور الفيديو والـDVD، استطاع صيادو العيوب أن يجدوا مشاكل كثيرة في الصورة وفي نموذج سمكة القرش. برغم هذا ما زلت أجد القرش أكثر إتقانًا وإرعابًا من القروش المرسومة بالكمبيوتر بالكامل في البحر الأزرق العميق..
بالطبع لن أعيد سرد القصة التي يعرفها القارئ جيدًا، لكن هناك مشاهد موجسة لا يمكن نسيانها.. الحفل الساهر الذي يقيمه الشباب على الشاطئ في ضوء القمر، والفتاة التي تهرع إلى الماء لتظفر بسباحة في المياه المظلمة.. ثم تشعر باهتزازات تحت الماء وينقلب شهيقها صراخًا وهي تدرك أنها بين فكّيْ شيء مريع.
هذه اللقطة صارت كلاسكية جدًا وقد تم تقليدها مرارًا
الترافلنج السريع للكاميرا وهي تتقدم ونحن معها مرغمين، بلا روية ولا كياسة وسط قاع البحر..
منظر الأقدام السابحة من تحت الماء، ونحن فقط ندرك أن وحشًا تحت الماء ينتظر فرصته.. إن الموسيقى المتوجسة تعطينا إنذارًا مسبقًا بأن شيئًا سيحدث، بينما أبطال الفيلم لا يعرفون..
كوننا لا نرى السمكة إلا بعد ثلثيْ الفيلم كان استثمارًا ناجحًا، وهذا جعل خيالنا يعابثنا بقسوة.. لقد تخيلنا كل شيء ممكن.. في الحقيقة كان سبيلبرج مرغمًا على هذا الغموض أغلب الوقت؛ لأن نماذج سمكة القرش كانت تتْلَفُ أو تغرق طيلة الوقت، لذا قرر أن يوحي بوجود السمكة أكثر من إظهارها.. ومن الغريب أن هذا خدم الفيلم جدًا. ثم عندما ظهرت السمكة للمرة الأولى والمأمور يلقي بالسمك المتعفن في الماء، فإن ظهورها يعطينا صدمة حقيقية كالتي شعر بها المأمور.. يتراجع بظهره مذهولاً ليقول للصياد العبارة الشهيرة:
ـ"نحتاج إلى قارب أكبر!".
لو رأيت اللقطة لرأيت تأثيرًا سينمائيًا شهيرًا يوحي بالدوار اسمه Dolly Zoom Effect، حيث يبدو كأن حجم الخلفية يكبر بينما المقدمة ثابتة في حجمها.
هذه ورطة شبيهة بورطتنا التي حدثت منذ أشهر في شرم الشيخ: سمكة القرش تهاجم البلدة الهادئة (أميتي) في بداية موسم الصيف، وبرغم محاولات مأمور القرية أن يوقف موسم الاصطياف ويغلق الشاطئ؛ فإنه يصطدم برجل السياسة الأناني الذي يكره أن تخسر البلدة اقتصاديًا. هناك صياد خشن (يؤدي دوره بعبقرية روبرت شو) يعرض خدماته باهظة الثمن لصيد السمكة، وبالطبع ترفض البلدة هذا العرض..
في النهاية تضطر إلى أن تلجأ لخدماته، وتنطلق السفينة في عرض البحر..
الفيلم يدور حول ثلاثة رجال شديدي التباين وسمكة.. الصياد روبرت شو شديد الثقة في نفسه والملئ بالجبروت.. عالم الأحياء المائية ريتشارد درايفوس الذي يحاول أن يثبت أنه خشن.. المأمور الرقيق روي شيدر الذي يكره البحر ويشعر بأنه ضائع بين خبيريْ البحر هذيْن..
وفي النهاية تحاصر السمكة العالم تحت الماء وتحطم القارب وتلتهم الصياد في مشهد شنيع حقًا
ويجد المأمور الجاهل بالبحر نفسه وحيدًا في وسط المحيط مع السمكة التي يبدو أن لها قدرات غير أرضية.. لكنه يجد الحل وينجح في إلقاء أسطوانة أكسجين بين شدقيها، ثم يحكم تصويب البندقية ليفجر الأسطوانة والسمكة..
بعد هذا عاد "الفك المفترس" في أجزاء تزداد ضعفًا وسخفًا، وكان السؤال في كل فيلم هو: كيف تموت السمكة هذه المرة؟
حقق الفيلم -كما قلنا- نجاحًا مذهلاً ساحقًا، وكان أعلى الأفلام إيرادًا في تاريخ السينما، إلى أن جاء "حرب الكواكب" بعد ذلك بسنتين.
نال الفيلم أوسكار أفضل مونتاج، وأفضل موسيقى، وأفضل صوت. كانت المهمة صعبة أمامه؛ لأنه كان أمام فيلم عظيم فعلاً هو "أحدهم طار فوق عش الوقواق". - DirectorCosta-GavrasStarsJack LemmonSissy SpacekMelanie MayronWhen an idealistic American writer disappears during the Chilean coup d'état in September 1973, his wife and father try to find him.
- DirectorMike HodgesStarsMichael CaineIan HendryBritt EklandWhen his brother dies under mysterious circumstances in a car accident, London gangster Jack Carter travels to Newcastle to investigate.
- DirectorMilos FormanStarsJohn SavageTreat WilliamsBeverly D'AngeloClaude Bukowski leaves the family ranch in Oklahoma for New York where he is rapidly embraced into the hippie group of youngsters led by Berger, yet he's already been drafted. He soon falls in love with Sheila Franklin, a rich girl but still a rebel inside.
- DirectorJohn HustonStarsHumphrey BogartMary AstorGladys GeorgeSan Francisco private detective Sam Spade takes on a case that involves him with three eccentric criminals, a gorgeous liar and their quest for a priceless statuette, with the stakes rising after his partner is murdered.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
موسيقى ساكس حزينة كأنها نياط قلب يتمزّق.. شوارع مبلّلة بالمطر وبالوعات يتصاعد منها دخان.. قبعات ومعاطف مطر جلدية.. مخبر غامض صارم الوجه على شيء من القسوة لا يكفّ عن التدخين ويلفّ سجائره بنفسه، ويضع زجاجة ويسكي في خزانة النقود الفارغة.. حسناوات غامضات مميتات (Femme fatale) يُدخنن السيجار بمبسم طويل، ويجلسن إلى البار ليشربن الشمبانيا، وهن ناعمات خطرات كالأفاعي.. عصابات وصفقات سرية.. أزقة خلفية لنيويورك أو سان فرانسيسكو.
مرحبا بك في عالم "الفيلم نوار" (Film noir) أو "الفيلم الأسود".
نعود هنا للكتاب المهم "أنواع الفيلم الأمريكي" الذي كتبه ستانلي جي سولومون وترجمه عاشق السينما الناقد مدحت محفوظ.. يتكلّم الكتاب عن أفلام المخبرين الخاصين؛ فيقول إن المجرم والمحقّق كليهما متورّطان في عالم الجريمة، ولكن الواحد عكس الآخر، ولا يُمكن أن يصير الاثنان بطلَي فيلم واحد؛ لأن كلا منهما محور الأحداث في فيلمه الخاص بحيث يصير الآخر هامشيا.
إن المحقق في "الفيلم نوار" يعمل وحده وبلا سند من الشرطة.. الشرطة تملك الكثير من الصبر والعلم والجلد، لكنها تفشل في لحظة بعينها؛ فتسند المهمة إلى المخبر الخاص.. المخبر الخاص يكره الجريمة والمجرمين بدوافع شبه شخصية، وليس لأنها تمثّل خطرا على النظام العام، وعالمه الخاص هو أمريكا الحضرية التي يختفي الصراع والشهوات فيها تحت قشرة الرقي.. هو رجل بلا ثروة، لكنه يعمل في عالم يعتمد على المال، وغالبا ما تُعرض عليه رشوة مادية أو جنسية يرفضها بلا مبالاة.. إنه خشن يعيش في بيئة فاسدة، لكنه قادر على عزل نفسه عنها.. فيما بعد وإرضاء لمشاهد السينما صار المخبر الخاص يقبل الرشاوى الجنسية.
الشخصية النموذجية في هذا النوع هي شخصية المحقّق سام سبيد في فيلم "الصقر المالطي" الذي يتكلّم بالضبط كرجال العصابات، وهو يقول للمرأة التي يُحبّها:
ـ "لا تكوني واثقة جدا أني منحرف كما ينبغي أن أكون".
أوّل مثال يُقدّمه الكتاب لأفلام النوع هو "الصقر المالطي".. الفيلم الذي أخرجه جون هيوستون عام 1941، عن رواية شهيرة جدا للأديب داشييل هاميت.. كل روايات هاميت تنتمي لهذا العالم، والسبب أنه كان مخبرا خاصا هو نفسه.. لا يوجد فيلم في التاريخ كان أمينا للنوع الذي ينتمي له مثل هذا الفيلم.
هناك اثنان آخران قدّما عام 1931 وعام 1936.. لسبب ما هذه رواية محظوظة جدا، لكن فيلم 1941 هو الأكثر شهرة ونجاحا.
جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما
جون هيوستون مخرج أمريكي اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما
جون هيوستون مخرج أمريكي كبير، اشْتُهر بعلامات في تاريخ السينما؛ مثل: "الملكة اللإفريقية" (The African Queen) فيلم كاترين هيبورن الشهير، و"كنز سييرا مادري" (The Treasure of the Sierra Madre) و"الرجل الذي سيكون ملكا" (The Man Who Would Be King)، لكن فيلم اليوم هو أوّل فيلم يُقدّمه.
هنا يرسم همفري بوجارت بعبقرية صورة المحقّق سام سبيد الكلاسيكية.. حتى إن هناك ما يطلقون عليه "النمط البوجارتي" الذي يرمز للمحقق الخشن الغامض الذي يتكلّم مثل المجرمين.. راجع فيلم (هاري القذر)
أمّا الأنثى الغامضة المميتة فهي ماري أستور.
يُخبرنا الفيلم في بدايته أن فُرسان المعبد في مالطة أرسلوا لشارل -ملك إسبانيا- تمثالا من ذهب لصقر، يزدان بجواهر ثمينة جدا، لكن القراصنة استولوا على الهدية، ومنذ ذلك الحين ظلّ مصير الصقر غامضا.
في عالمنا هذا يُقابل المحقق سام سبيد الزبونة الحسناء ماري أستور.. تبحث عن أختها الضائعة.. في كل هذه الأفلام تقابل العميلة التي تبحث عن أختها الضائعة وغالبا هي تكذب.. لماذا تكذب؟ هذا ما نعرفه فيما بعد.
عندما يذهب أرشر شريك سبيد في المكتب لمساعدة الفتاة يُقتل، ويجد رجال الشركة جثته. يشك رجال الشرطة في أن سبيد هو الذي قتل أرشر.. نفس الشيء تعتقده أرملة أرشر؛ لأنها كانت على علاقة بسبيد.. ربما قتل زوجها كي يفوز بها.
يقابل سبيد من يُدعَى "كايرو" (القاهرة) يطلب منه -مقابل مبلغ مجز- أن يجد تمثالا أسود لطائر.. الرجل يريد التمثال لدرجة تهديد سبيد بالسلاح وتفتيش مكتبه، وفي النهاية بعد معركة قصيرة، يقبل سبيد القيام بالمهمة.. كايرو متأنق يستعمل بطاقات معطّرة كعلامة مميزة لشخصيته، وهو بالمناسبة من أوائل الشخصيات الشاذة جنسيا التي ظهرت في تاريخ السينما وفي زمن محافظ جدا.
هناك أخرى تُدعَى "بريجيد أوشوجنسي" تطلب مساعدته، ويكتشف سبيد أن كايرو والفتاة يعرفان بعضهما.. إن البطلة محاطة برجال خطرين فعلا.
هناك كذلك مَن يُدعى "كاسبر جوتمان".. الشرير البدين الذي قام ببطولته الممثل جرينستريت، وكان أداؤه مذهلا، حتى إن القنبلة الذرية التي ألقيت على ناجازاكي كان اسمها "الرجل البدين" على سبيل التحية له.
في هذا الفيلم ندرك أن كايرو وبريجيد يخشيانه جدا.. جوتمان هو الآخر مستعدّ للدفع بسخاء كي يحصل على الطائر الأسود.. إنه يبحث عن التمثال منذ 17 عاما.. يعده سبيد بأن يجلبه له بالرغم من أنه لا يملك أي فكرة عن الموضوع.. يخبره جوتمان أنه كلّف ثلاثة لصوص بالعثور على التمثال؛ هم: بريجيد أوشوجنسي وكايرو وشخص ثالث، لكنهم أرادوا الاحتفاظ بالتمثال لأنفسهم. يدسّ لسبيد المخدّر في الشراب، ونرى لقطة شهيرة جدا وصعبة جدا تتابع فيها الكاميرا الممثّلين وكأس الشراب وبطن جوتمان المنتفخ والحوار.. إنها لقطة مدرسية لا تُنسَى.
هناك رجل جريح يأتي لمكتب سبيد ويلقي لفافة.. اللفافة تحوي تمثالا أسود لصقر، ثم يسقط ميتا. يخفي سبيد اللفافة في طرد ويضعها في أمانات المحطة.
إن القصة معقّدة ومليئة بالمغامرات والأحداث، فلا داعي لأن أحكيها لك؛ لأنها ستكون أطول من اللازم، وأعقد من اللازم.. فقط ينتصر سبيد في النهاية ويتخلّى عن حبّه من أجل العدالة.
يمكنك مشاهدة ملخص سريع للفيلم
إن أداء بوجارت شديد الأصالة وقد رسم نمط المخبر الخاص في الـ"فيلم نوار" للأبد.. عندما اختيرت أنجريد برجمان لتمثّل فيلم "الدار البيضاء" مع بوجارت جلست تشاهد "الصقر المالطي" لتفهم مفاتيح أداء الرجل.. أمّا عن إخراج هيوستون باعتبار هذا فيلمه الأوّل، فقد كان منظّما جدا ورسم كل لقطة ودرسها جيّدا قبل البدء.
ومِن الطريف أنه صور لفيلم بنفس ترتيب اللقطات على الشاشة، وهذا سلوك غير معتاد في السينما، لكنه يساعد الممثلين على تطوير الشخصيات.
بالطبع لا يمكن أن يوجد فيلم نوار ناجح من دون تصوير مفعم بالظلال، وقد تميّز تصوير أرثر أديسن بالإضاءة الغامضة وزوايا الكاميرا الغريبة.
نال الفيلم إعجاب الجماهير والنقاد، وضمّته مكتبة الكونجرس باعتباره تراثا ثقافيا بالغ الأهمية.. "الصقر المالطي" مِن كلاسيات السينما التي لا بد أن تراها لو لم تكن قد فعلت حتى هذه اللحظة، على الأقل كنموذج صارخ للفيلم نوار.. وإنني لأضمن لك متعة خالصة. - DirectorSam PeckinpahStarsKris KristoffersonAli MacGrawErnest BorgnineTruckers form a mile-long "convoy" in support of a trucker's vendetta with an abusive sheriff - Based on the country song of the same title by C.W. McCall.
- DirectorPeter CollinsonStarsMichael CaineNoël CowardBenny HillA comic caper movie about a plan to steal a gold shipment from the streets of Turin by creating a traffic jam.
- DirectorWilliam FriedkinStarsGene HackmanRoy ScheiderFernando ReyA pair of NYPD detectives in the Narcotics Bureau stumble onto a heroin smuggling ring based in Marseilles, but stopping them and capturing their leaders proves an elusive goal.
- DirectorRandal KleiserStarsJohn TravoltaOlivia Newton-JohnStockard ChanningGood girl Sandy Olsson and greaser Danny Zuko fell in love over the summer. When they unexpectedly discover they're now in the same high school, will they be able to rekindle their romance?
- DirectorAlan ParkerStarsMatthew ModineNicolas CageJohn HarkinsAfter two friends return home from the Vietnam War one becomes mentally unstable and obsesses with becoming a bird.
- DirectorJoseph SargentStarsWalter MatthauRobert ShawMartin BalsamFour armed men hijack a New York City subway car and demand a ransom for the passengers. The city's police are faced with a conundrum: Even if it's paid, how could they get away?
- DirectorMichael CacoyannisStarsAnthony QuinnAlan BatesIrene PapasAn uptight English writer travelling to Crete, on a matter of business, finds his life changed forever when he meets the gregarious Alexis Zorba.
- DirectorGeorge CukorStarsAudrey HepburnRex HarrisonStanley HollowayIn 1910s London, snobbish phonetics professor Henry Higgins agrees to a wager that he can make crude flower girl, Eliza Doolittle, presentable in high society.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألّا يعرفها من يحب.
"بجماليون" هي مسرحية شهيرة جدًا للكاتب الإيرلندي الساخر برنارد شو، ولو كنت تعرف الأساطير الإغريقية، لعرفت أن بجماليون هو النحات الذي صنع تمثالاً لفينوس، ثم وقع في حبه حتى كاد يموت من الوله. أي أن عقدة بجماليون هي عقدة أي شخص يصنع شيئًا ثم يهيم به حبًا. لاقت المسرحية نجاجًا كبيرًا مع معالجة برنارد شو العصرية.. البروفيسور هجنز -خبير التخاطب- يراهن صديقه على أن يستطيع أن يجعل أي إنسان يتكلم لغة راقية. يقع اختياره على بائعة الأزهار الفقيرة إليزا دوليتل التي تتحدث بلغة سوقية فظيعة.. يلاقي الأمرّين في تعليمها حتى ينجح فعلاً، وبالطبع يقع في حبها..
طبعًا أنت شاهدت مسرحية فؤاد المهندس وشويكار الشهيرة التي تم فيها تمصير مسرحية شو، بشكل موفّق للغاية، لدرجة أن أية أغنية في المسرحية الغربية لها ما يقابلها في مسرحيتنا.
في العام 1964 يقدّم لنا المخرج جورج كيوكور فيلم "سيدتي الجميلة" عن هذه المسرحية الشهيرة.
الفيلم اعتمد على المسرحية الغنائية التي قدّمت في برودواي قبل هذا، والتي كتب أغانيها ليرنر ولوي، وقد حقق نجاحًا مذهلاً.. إنه قطعة من الجمال، وما زال يدرّس في مدارس ومعاهد السينما في كل مكان كدرس في التذوق الفني.
كما قلنا تدور قصة الفيلم حول خبير الصوتيات المتحذلق عدو المرأة البروفيسور هجنز.. إنه يؤمن بأن هناك جريمة شنعاء تُرتكب ضد اللغة الإنجليزية يوميًا، بينما العرب -على سبيل المثال- يحافظون على لغتهم فليتنا نتعلم منهم.. لا تعليق!
أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة
أخرج الفيلم جورج كيوكور عن مسرحية "بجماليون" الشهيرة
نقابل كذلك الفتاة إليزا دوليتل الزهرة الرقيقة النامية وسط الأوحال، وبين عصابات الشوارع وأبيها السكير الأفّاق.. إنها تتكلم أفظع لغة إنجليزية يمكن تخيلها، وكالعادة لا تنطق حرف H أبدًا بل تحيله إلى همزة، كما أنها تنطق Today كأنها "توضاي".. وتتحدث عن قصر باكنام بدلاً من باكنجهام.
عندما تذهب الفتاة إليزا للبروفيسور تطلب منه أن يعلّمها النطق الصحيح، فإن التحدي يبدو مستحيلاً. تعرض أن تدفع له شلنًا.. إنه معتاد على تقاضي أعلى الأثمان، لكنه لم يتلقّ قط عرضًا كهذا.. أن يقدم له أحدهم كل ما يملك هذا إغراء شديد..
إن مشاهد تعليم الفتاة ذات اللسان العصيّ تمثل عذابًا حقيقيًا لها وللبروفيسور، لكنها متعة حقيقية للمشاهد. لقد صارت تكرهه بجنون، وتتمنى أن يموت فعلاً. وفي واحدة من أجمل أغاني الفيلم توجّه له السباب وتتوعده وهو لا يراها طبعًا، وتتخيل أن ملك إنجلترا سيحبها، فتكون أول رغبة تطلبها منه هي أن يقطع رأس هنري هيجنز.. سوف تندم يا هنري هيجنز بعد فوات الأوان.. فقط انتظر! تؤدي الأغنية بلكنة الكوكني الشنيعة فتنطق Wait كأنها White، وتنطق late كأنها light. أما اسمه هنري هجنز فتنطقه إنري إيجنز؛ لأنها عاجزة نهائيا عن نطق حرف الهاء.
شاهد هذه الأغنية هنا، ومعظمها بصوت أودري هيبورن فعلاً
وفي اللحظة التي يقرر البروفيسور هجنز فيها أن المهمة مستحيلة تتمكن الفتاة من نطق جملة صعبة، هي:
The rain in Spain stays mainly in the plains
المطر في إسبانيا يبقى أساسًا في الوديان.
وهي جملة مصممة لتدريبها على نطق الحروف التي تجد نطقها مستحيلاً. وهكذا تنزاح الغمة..
شاهد هذا المشهد الرائع هنا
هنا يبدي البروفيسور رقة زائدة نحوها، مما يوقع الفتاة في غرامه.. وتقضي ليلتها غارقة في الأحلام.. الفراش! لا أستطيع أن أذهب للفراش حتى لو أعطوني جواهر التاج كلها.. شاهد نشوتها وعجزها عن النوم، بينما المربية تحاول دسّها في الفراش بالقوة هنا:
يأخذها البروفيسور لسباق صيد الخيول في أسكوت؛ لتختلط بالطبقة الراقية المتحذلقة. هنا يستعرض لنا كيوكور لوحات مذهلة للأزياء الأرستقراطية، مع تحذلق الطبقة الراقية كأننا نرى طواويس مغرورة لا بشرًا.. وجوه باردة متعالية لا تعكس أي انفعال، برغم أنهم يتحدثون عن توترهم الشديد قبل السباق.
تسحر إليزا -الجميلة الرقيقة أصلاً- المجتمع الراقي بأناقتها ولهجتها. يقع شاب ثري في غرامها، لدرجة أنه يمر كل ليلة أمام دارها مغنيًا..
تعود لبيت البروفيسور، لتجد أنه يحتفل بأنه حوّل فتاة جاهلة مثلها إلى شيء راقٍ.. المشكلة أن أحدًا لا يبالي بها على الإطلاق.. كأنها مجرد شيء، أو كأنها قرد تمكّنوا من تعليمه الكلام. هكذا تدرك أنها كانت واهمة عندما حسبت أن البروفيسور يمكن أن يحبها.. لقد صارت مسخًا لا ينتمي للطبقة الراقية، ولا يستطيع العودة لطبقته الأصلية...
تخرج من الدار عازمة على أن تصنع ثقبًا في النهر حسب تعبيرها، لتقابل ذلك الفتى العاشق يمشي في شارعها مترنمًا كالعادة، وفي لقطة من أجمل لقطات الفيلم تنفجر فيه صارخة:- "كلمات.. كلمات.. ليس لديكم سوى الكلمات.. أتلقى كلمات طيلة اليوم سواء منك أو منه.. هذا كل ما تستطيعون عمله!"
شاهد هذا المشهد الرائع هنا، ولاحظ كيف تقاطع أغنية أغنية أخرى
لكن البروفيسور لم يستطع أن يتخلص منها بهذه البساطة.. لقد وقع في غرامها فعلاً.. اعتاد وجهها واعتاد وجودها في حياته.. هكذا ينتهي الفيلم به وقد استعادها لتكون زوجته.
هذه نهاية سينمائية تختلف عن نهاية المسرحية.. من المعروف أن برنارد شو كان يكتب أكثر من نهاية لبعض مسرحياته، وقد قدّر هو أنها فتاة ذكية عملية ولن تفوت فرصة الزواج من الشاب الثري الوسيم الذي يهيم بها. أما البروفيسور فلا جدوى منه على الأرجح.
كانت أودري هيبورن تتمنى أن تؤدي أغاني الفيلم، لكنها صدمت عندما عرفت أن الغناء سيكون مهمة المطربة مارني نيكسون. لم يترك صوتها إلا في أغنية "فقط انتظر". أما عن ركس هاريسون فقد كان الأمر سهلاً؛ لأن معظم أغانيه عبارة عن كلام موقع، ولم يستطع قط أن يصاحب الغناء بشفتيه، لذا كل مقاطع غنائه يؤديها في نفس الوقت باستعمال أول ميكروفون بلا سلك في تاريخ السينما.
كان الفيلم كما قلنا درسًا في الإخراج الفني وتصميم الأزياء والتصوير. تألقت أودري هيبورن في دور إليزا دوليتل برغم التوقّعات التي أجمعت على أنها لن تصلح؛ فهي أرستقراطية أصلاً ولا يمكن أن تعطي انطباعًا بأنها من العامة. وكان الإجماع على أن جولي أندروز أصلح منها، خاصة وهي من لعب الدور في المسرحية.
وقد حصد الفيلم ثماني جوائز أوسكار؛ هي أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل وأفضل تصوير وأفضل صوت وأفضل موسيقى وأفضل إخراج فني وأفضل تصميم أزياء.
أعاد الفيلم مجد الفيلم الغنائي وذكّر منتجي هوليوود بما تدرّه هذه الأفلام من مكسب، واستمرت هذه الموجة في الصعود إلى أن قضى عليها فيلم دكتور دوليتل الفاشل الذي أعاد للمنتجين توجسهم وخشيتهم من الأفلام الغنائية، وكان على الأفلام الغنائية أن تنتظر فيلم "حمى مساء السبت" في السبعينيات.
وإلى أن نقابل فيلمًا آخر من الحافظة الزرقاء،،، - DirectorDavid LeanStarsJudy DavisVictor BanerjeePeggy AshcroftCultural mistrust and false accusations doom a friendship in British colonial India between an Indian doctor, an Englishwoman engaged to marry a city magistrate, and an English educator.
- DirectorBob FosseStarsRoy ScheiderJessica LangeAnn ReinkingDirector/choreographer Bob Fosse tells his own life story as he details the sordid career of Joe Gideon, a womanizing, drug-using dancer.
- DirectorMel BrooksStarsGene WilderMadeline KahnMarty FeldmanAn American grandson of the infamous scientist, struggling to prove that his grandfather was not as insane as people believe, is invited to Transylvania, where he discovers the process that reanimates a dead body.
- DirectorF.W. MurnauStarsMax SchreckAlexander GranachGustav von WangenheimVampire Count Orlok expresses interest in a new residence and real estate agent Hutter's wife.
- DirectorSidney LumetStarsAl PacinoJohn CazalePenelope AllenThree amateur bank robbers plan to hold up a bank. A nice simple robbery: Walk in, take the money, and run. Unfortunately, the supposedly uncomplicated heist suddenly becomes a bizarre nightmare as everything that could go wrong does.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أتيكا.. أتيكا!!
قد ينسى الناس تفاصيل هذا الفيلم، لكن مشهد آل باتشينو وهو يصرخ في الجماهير "أتيكا.. أتيكا" محفور في الأذهان.. هذا هو المشهد الأيقوني الخاص في الفيلم، كمشهد هجوم الهليوكوبتر في "سفر الرؤية الآن"، وقطيع الأغنام في "العصور الحديثة"، ومباراة الكرة بلا كرة في "تكبير"، ولقاء محطة القطار في "رجل وامرأة"، ويدي أبي سويلم تتشبثان بالتراب في "الأرض".
اعتدنا أن نقرأ الترجمة لاسم هذا الفيلم "كلب بعد الظهر"، وهي ترجمة غريبة طبعًا.. الترجمة الأصوب هي "بعد ظهر يوم حار". "أيام الكلاب" في الإنجليزية هي أيام الصيف الأكثر حرًّا ورطوبة. هناك متلازمة نفسية يعرفها أطباء النفس اسمها "متلازمة ستوكهولم"، وتحدث عندما يقوم بعض الخاطفين بالسيطرة على مكان ما.. عندما يُدرك الرهائن أن المعتدين مهذّبون يُعاملونهم جيّدًا، فإنهم يُحبّونهم ويدافعون عنهم. هذه التيمة النفسية عُولجت في أعمال مصرية كثيرة؛ مثل: "الإرهاب والكباب"، و"نهر الخوف". عكس ذلك أن يقع الخاطفون في حُب الرهائن، ويطلق على هذا اسم "متلازمة ليما".
في هذا الفيلم الجميل نرى خليطًا إنسانيًّا جميلاً مِن ليما وستوكهولم.
قليلة هي الأفلام التي تعج بالمشاعر الإنسانية والدفء والسخرية، برغم أنها تعالج موضوعًا عنيفًا مثل سرقة مصرف، لهذا تميّز هذا الفيلم بشكل واضح، خاصة مع الأداء العبقري لوجه شاب وسيم جديد على الشاشة اسمه آل باتشينو، ومجموعة مذهلة مِن الممثلين قامت بأداء أدوار موظفات المصرف ورجال الشرطة والجمهور... إلخ.. مع تحريك متقن لكل التفاصيل يقوم به مخرج يعرفه الجميع هو سيدني لوميت الذي حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا" الذي سنقابله الأسبوع القادم إن شاء الله.
المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا"
المخرج سيدني لوميت حفظ الناس اسمه بعد فيلم "اثنا عشر رجلاً غاضبًا"
كان الناس قد عرفوا آل باتشينو مِن فيلم "الأب الروحي" قبل هذا، وعرفوا أنه بارع، لكنه كان محاطًا بوحوش تمثيل مِن عيّنة: مارلون براندو، وروبرت دوفال، وجيمس كان، لكن هذا الفيلم أعطاه الفرصة الكاملة ليُخرج كل ما لديه. أداء رائع يتأرجح بين الارتباك والعصبية والجنون والرقة، وهو على حافة الانهيار العصبي النهائي.. في النهاية نحن نعرف يقينًا أنه لا يستطيع أن يقتل دجاجة.. وفي مشهد ذكي نراه نائمًا، بينما واحدة مِن الرهائن تتسلّى ببندقيته الآلية؛ لتتعلَّم كيف تُؤدّي التحية كما في الجيش.
يظهر في الفيلم كذلك جون كازال، وهو ممثّل آخر مِن أصل إيطالي ظهر في فيلم "الأب الروحي" في دور الأخ طيب القلب ضعيف الشخصية؛ أي أن الفيلم يضمّ اثنين مِن أبناء الأب الروحي.
الفيلم الذي عُرِض عام 1975 ينتمي لنوعية الأفلام التي يطلقون عليها "عملية سطو فاشلة" (Heist Gone wrong). ومن أشهر أفلام هذه النوعية "كلاب المستودع". هناك عملية سطو يقوم بها ذلك الشاب عديم الخبرة "سوني" وصاحبه "سال". عملية السطو هذه قد حدث مثلها في الواقع منذ عامين في بروكلين، والفيلم يعتمد على مقال عن الحادث كتبه ب. ف. كلوج ومور.
شاهد الجزء الافتتاحي هنا
المصرف يعجّ بالموظفات المذعورات، ورئيسهن المسن، والحارس الأسود المصاب بالربو. يكتشف سوني أنه نحس أكثر مما توقّع؛ فالمصرف خالٍ من المال.. كل ما نجح فيه هو أن كل شرطة الولاية تحاصر المصرف. لقد تحوّل الموقف بسرعة البرق إلى "موقف رهائن" من الذي يراه في التليفزيون.
بالواقع يتحوّل الموقف إلى سيرك؛ فالناس كلها تحاصر المصرف، وقوات السوات المخيفة مستعدّة لقتل أية ذبابة تحوم.. قنّاصة فوق الأسطح وطائرات هليوكوبتر في كل مكان. التليفزيون ووسائل الإعلام كلها هنا.. مدير الشرطة يُحاول التفاهم معهم، ويزجر رجاله الذين يتوقّون لإطلاق الرصاص في أية لحظة.
يخرج سوني للتفاوض تحت حماية صديقه بداخل المصرف، وهو يُعلن منذ البداية أنه لا يثق في رجال الشرطة.. سوف يدوخونهما إلى أن يطلقوا الرصاص عليهما في مجزرة شبيهة بمجزرة سجن أتيكا، التي حصد فيها رجال الشرطة الأمريكية الجميع بمن فيهم الرهائن.. ويصرخ أمام الكاميرات والجماهير: أتيكا.. أتيكا! فيُصفّق الناس.. لقد تحوّل إلى نجم إعلامي..
يمكنك أن ترى هذا المشهد الرائع هنا
عندما يطلب بيتزا للرهائن -في مشهد يُذكّرك جدًا بفيلم "الإرهاب والكباب"- فإن صبي البيتزا يُقدّم له الوجبة، ويتمنّى لهما التوفيق، فما إن يجد الصبي نفسه وحده حتى يلقي بالكاسكت أرضًا، ويرقص صارخًا: أنا ممثّل مذهل!
هكذا تتقدّم خطوط السرد بين علاقة الشابين بموظفات المصرف، اللاتي يتعاطفن معهما كلية، ومدير المصرف المريض بالسكري الذي يأبى بشدّة أن يُغادر المصرف للعلاج ويترك البنات وحدهن. تفاصيل صغيرة جدًا مثل حاجة البنات لدخول دورة المياه مما يُشكّل كارثة بالنسبة لسوني الذي تلفت أعصابه أصلاً. ومفاوضات سوني للحصول على طائرة هليوكوبتر تحملهما خارج البلاد، والجنون الذي يحكم المجتمع الأمريكي بالكامل، والدافع العجيب لعملية السطو هذه (وهذا جزء لن أستطيع الكلام عنه هنا).
إن باتشينو يرتب أن تأخذهما الطائرة لبلد بعيد.. ربما الجزائر.. يسأل زميله في السطو عن بلد أجنبي يرغب في أن يعيش فيه، فيردّ:- "وايومنج!".
فهو لا يعرف أن وايومنج في أمريكا..
شاهد هذا المشهد هنا
في النهاية يُوافق رجال الشرطة على أن تنقلهما سيارة مع الرهائن إلى المطار..
هنا يجب أن أتوقّف وأترك لك أن ترى ما حدث بعدها.. لكن النهاية قاسية وأليمة فعلاً.
الفيلم ممتع ويبقى معك لفترة طويلة، وقد رُشّح لعدد كبير مِن جوائز الأوسكار، لكنه لم يحصل إلا على أوسكار أفضل سيناريو أصلي.
كما قلنا يُمكنك بسهولة أن تشمّ رائحة هذا الفيلم في أعمال تالية عديدة، ولدينا فيلم "نهر الخوف" الذي يوشك أن يكون نسخة أخرى منه، وإن صار المصرف أتوبيسًا نهريًا، كما أنه قريب جدًا مِن فيلم "الإرهاب والكباب". أما أهم ما قام به الفيلم فهو أنه حدّد المكانة الراسخة لممثّل شاب واسع العينين حاد النظرات مِن أصل إيطالي اسمه آل باتشينو. - DirectorStanley KubrickStarsKeir DulleaGary LockwoodWilliam SylvesterAfter uncovering a mysterious artifact buried beneath the Lunar surface, a spacecraft is sent to Jupiter to find its origins: a spacecraft manned by two men and the supercomputer HAL 9000.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي، لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
أولاً دعنا لا ننكر أن هذا فيلم صعب بالتأكيد، ويحتاج إلى تركيز كبير، كما أن الحوار السائد فيه هو الصمت. لكنك ستشاهده مرة ومرتين وثلاثا إذا تذكرت أن النقاد يرونه أدقّ وأعمق وأجمل فيلم خيال علمي على الإطلاق. الفيلم الذي جاء قبل "حروب النجم" بعشر سنوات، وبرغم هذا هو أدقّ منه علميا، وأكثر إحكاما بصريا. الفيلم الذي ارتبط للأبد بمقطوعتي ريتشارد شتراوس ويوهان شتراوس "هكذا تكلم زرادشت" و"الدانوب الأزرق" بالترتيب.
يمكنك سماع مقطوعة "هكذا تكلم زرادشت" هنا كما جاءت في مقدمة الفيلم
لاحظ أن الفيلم مصمم أصلاً للعرض بمقياس 70 ملم، ومعنى هذا أنه لا توجد سينما في مصر يمكن أن تعرضه.. ومعناه أن مشاهدته على الكمبيوتر أو في التليفزيون قتل له.
من أين نبدأ الكلام؟ نبدأ من ستانلي كوبريك المخرج العبقري.. أحد أعمدة السينما. الذي تمرّد على هوليوود، فذهب إلى إنجلترا ليقدم الأفلام التي يريدها بشروطه الخاصة، وبأجهزته وطاقم العمل الذي يريده، وهو أكثر مخرج موسوس مولع بالدقة في التاريخ؛ لدرجة أنه كان يعيد تصوير بعض المشاهد في أفلامه 180 مرة! عندما تذكر اسم كوبريك سوف تذكر على الفور أسماء مثل "لوليتا".. "سبارتاكوس".. "عينان مغلقتان باتساع". "البرتقالة الآلية".. "خزانة مليئة بالطلقات".. "دكتور سترانجلاف".. "تألق"... وطبعا فيلم اليوم.
العبقري الأمريكي يبحث عن موضوع، كان يفكر في تقديم فيلم الخيال العلمي الأمثل.. هنا يجد قصة قصيرة كتبها أديب الخيال العلمي أرثر كلارك اسمها "الحارس". يتصل بكلارك المقيم في سيلان طيلة الوقت، ويبدأ الرجلان كتابة السيناريو ببطء شديد. وفي العام 1968 يخرج هذا الفيلم للعالم. كل أفلام ستانلي كوبريك تفشل لدى عرضها الأول، وقد بدا هذا واضحا.. لكن شباب الهيبز بدأوا يذهبون للسينما؛ لأنهم وجدوا أن الفيلم تجربة بصرية غير عادية، خاصة إذا كان المشاهد تحت تأثير عقار الهلوسة. بعد قليل بدأ المشاهد العادي يذهب للسينما ليفهم ما يدور.. وهنا أدرك العالم أنه أمام معجزة سينمائية كاملة. وهو تقريبا أقلّ الأفلام اعتمادا على الحوار في تاريخ السينما.. أول جملة تنطق فيه تقال بعد عشرين دقيقة. رشّح الفيلم لأربع جوائز أوسكار نال منها واحدة، مع قدر لا بأس به من الظلم طبعا.
الفيلم يحكي عن كائنات فضائية لا نراها ولا نعرف عنها الكثير، لكنها أخذت على عاتقها التطوّر العقلي لكل كائنات المجرة، ولهذا ترسل جسما حجريا أسود غريب الشكل إلى أرجاء الكون، وحيثما يقف هذا الجسم الحجري يتطور الإنسان بسرعة خارقة. إنهم الحراس.. الحراس الذين يقفون في أرجاء المجرة يساعدوننا على أن نتطور.
في بداية الفيلم نرى قبيلة بدائية تتصرف كالقردة تماما، ثم تكتشف هبوط هذا الجسم الغامض في أرضها. نتيجة لهذا يتعلم أفراد القبيلة استعمال أيديهم ويتعلمون كيف يصنعون السلاح وكيف يقتلون بعضهم.. ثم تأتي اللقطة الشهيرة في تاريخ السينما عندما يقذف أحد البدائيين خصمه بقطعة عظم.. تطير العظمة في الهواء وتتحول إلى سفينة فضاء ذاهبة للقمر.. لقد اختصر الفيلم ملايين السنين من التطور في ثانية.
شاهد هذه اللقطة هنا
إن العالم (فلويد) ذاهب للقمر؛ للتحقيق في جسم حجري غامض مزروع هناك، يسبب ظاهرة تدعى TMA. إن هذا الجسم يشبه بالضبط الجسم الذي هبط على البدائيين في بداية الفيلم. يعرف أن الجسم يرسل إشارات صوتية غامضة إلى كوكب المشترى.
بعد عام تنطلق سفينة فضائية نحو كوكب المشترى. هذه السفينة يتمّ التحكم فيها بالكامل بواسطة الكمبيوتر كلي القدرات HAL وهو الاسم الذي اختاره كوبريك ليسخر من IBM (الحروف السابقة في الأبجدية بالضبط). إن هال يبدو كشخص واثق من نفسه ثرثار جدا ويراقب كل شيء.
يصاب الكمبيوتر هال بنوع من الجنون، ويتسبب في مقتل أحد رجُلي الفضاء، ويوشك على قتل الآخر الذي يضطر لتدميره. هنا يرينا كوبريك مشهدا لا يُنسى لرائد الفضاء يقوم بتخريب دوائر الكمبيوتر، بينما الكمبيوتر يتوسل له بلا توقّف كي يعطيه فرصة أخرى.. وفي النهاية يفقد صوابه تماما فيبدأ في غناء أغنية أطفال وهو يحتضر.
إن الكمبيوتر يبدو أكثر إنسانية وإثارة للشفقة من الإنسان في هذا المشهد. من اللافت للنظر أن هال هو أكثر أبطال الفيلم كلاما، وهو الوحيد الذي يعبّر عن نفسه بكفاءة.
يمكنك رؤية هذا المشهد الرائع هنا
لقد صار رائد الفضاء ديفيد باومان وحده على ظهر سفينة بلا جهاز كمبيوتر، ضائعا تماما، ومهمته هي استقصاء وجود جسم حجري غامض آخر على كوكب المشترى.
هكذا يصل ديفيد إلى الجسم الحجري، ويكتشف أنه مجوّف، وأنه يمكن أن يبتلع سفينة الفضاء ذاتها.. هناك مجرة كاملة بداخله وبوابة تقود لبعد آخر.. فيرى ما لم يره بشري قبله.
هنا يبدأ الحلم البصري المذهل الذي كان سبب نجاح الفيلم.
شاهد لمحة من الحلم البصري هنا
في النهاية يكتشف أنه في غرفة نوم قام الفضائيون بتصميمها لتشبه غرفنا.. سرير عتيق وتليفزيون وثلاجة. كلها أشياء زائفة صنعوها من مراقبتهم لبرامجنا التليفزيونية. ينام في الفراش للمرة الأخيرة، وعندها يولد الطفل الرضيع الذي يحلق في السماء. طفل النجوم....
البشرية برغم هذا النضج ما زالت طفلاً بحاجة إلى من يأخذ بيده، لكن ليس التفسير بهذه البساطة، ويمكن القول إن كل من رأى الفيلم كان له رأي مختلف في النهاية. هذا فيلم صُنع كي يبقى معك طويلاً.
قام ببطولة الفيلم الممثل كير دوليا في دور رائد الفضاء ديفيد، ووليام سلفستر في دور د. فلويد. لا توجد أدوار ذات أهمية على الإطلاق؛ لأنه لا توجد عبارات حوار تقريبا. تمّ التصوير في بريطانيا، وكان المسئول عن المؤثرات الخاصة شديدة التعقيد دوجلاس ترومبول، وهي مؤثرات لا تتم في المختبر ولا تتم على جهاز الكمبيوتر؛ ولكن تتم داخل الكاميرا نفسها كما طلب كوبريك.
كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة
كوبريك تمرّد على هوليوود فذهب لإنجلترا ليقدم أفلاماً بشروطه الخاصة
من الناحية العلمية هذا أدق أفلام الخيال العلمي على الإطلاق. هناك عدة مستشارين علميين اقترحهم آرثر كلارك نفسه. وهو الفيلم الوحيد الذي لم يقع في فخ انتقال الصوت عبر الفضاء. كل أفلام الخيال العلمي تسمع فيها صوت الانفجارات بوضوح تام في الفضاء الخارجي. مشاهد انعدام الوزن دقيقة جدا فيزيائيا.. وكذلك تأخر وقت الاتصال بين المركبة وكوكب الأرض، وطريقة الخروج من المركبة في كبسولة. أي عالم فضاء يرى هذا الفيلم يعجز عن إيجاد خطأ واحد إلا فيما ندر.
مع نجاح الفيلم الساحق، قدم أرثر كلارك رواية "2001 أوديسة فضائية" التي تعيد تفسير الفيلم من جديد. يطلق على هذا النوع من الأدب اسم Spin off أي أن الرواية لم تصنع الفيلم، لكن الفيلم صنع الرواية. بما أن الفيلم تجربة بصرية بالكامل، وبما أن الغموض مقصود في حد ذاته، فإن نقادا عدة رأوا أن الرواية حوّلت عملاً شعريا رائعا إلى نثر جافّ بلا أسرار.
هذا هو أول فيلم في الحافظة الزرقاء.. تعالَ نرجعه مكانه ولننتقِ فيلما آخر. - DirectorFrancis Ford CoppolaStarsMartin SheenMarlon BrandoRobert DuvallA U.S. Army officer serving in Vietnam is tasked with assassinating a renegade Special Forces Colonel who sees himself as a god.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
لفترة طويلة ظل هذا الفيلم يتصدر قوائم أفضل الأفلام في التاريخ، فهو حلم وكابوس كاملان في آن واحد، وقد عاد لدائرة الاهتمام مؤخرًا بمناسبة صدور نسخة ريدوكس له. ريدوكس Redux معناها (مستعادة).
رأيت الفيلم في السينما عام 1980، وأذكر أنني أصبت بحالة ذهول وانبهار في النصف الأول منه، ثم لم أعد أفهم شيئًا على الإطلاق في النصف الثاني. الفكرة هي أن الفيلم ينزلق ببطء من عالم الواقع إلى عالم فلسفي كابوسي شديد التعقيد. يقولون كذلك إنه من الصعب أن تفهم الفيلم ما لم تكن قد قرأت "قلب الظلام" رواية جوزيف كونراد الشهيرة. أنا قرأت الرواية بل وترجمتُها للعربية كذلك في واحدة من أصعب و"أسوأ" الترجمات التي أنجزتها! لكن الرواية لا تجعل الأمور أسهل. تدور الحبكة حول رحلة مضنية في نهر بالكونغو يقوم بها البطل للقاء رجل غريب الأطوار يدعى كورتز، هو مزيج من سفاح وتاجر عاج وفيلسوف وشاعر ونبي كاذب، جعلت منه القبائل الإفريقية شبه إله، والسبب هو أنه دعا لدين جديد هو "الرعب"... من الواضح تمامًا أن الرحلة في النهر هي رحلة داخل نفوسنا ذاتها، وأن قلب الظلام هو أعماقنا..
هذا هو محور الفيلم الذي استبدل بالكونغو فيتنام... (أبوكاليبس Apocalypse) هو "سفر الرؤية" أو يوم القيامة في التوراة..
الآن نقابل المخرج العبقري فرانسيس فورد كوبولا الذي أثار ذهول العالم بفيلم "الأب الروحي" الذي أخرجه وهو في الثلاثين من عمره تقريبًا. تروق قصة "قلب الظلام" لكوبولا.. تروق له لدرجة أن يقرر عمل فيلم ملحمي عنها. ومن أجل هذا الفيلم يرهن بيته ويبيع كل ما يملك، مع مساهمة شركة يونايتد أرتستس بنصف التكلفة، ومساعدة حكومة الفلبين له، ليحصل على ثلاثين مليونًا، وهو مبلغ مخيف بمقاييس السبعينيات. ثم يكتب السيناريو بالاشتراك مع جون ميلوش على مدى ستة أعوام. ولسوف تلاحظ في الفيلم تركيزًا على علب سجائر مارلبورو وأجهزة تسجيل سوني، ولربما كان هناك إعلان عن معجون أسنان فيتنامي! لكن كل شيء مبرر من أجل النتيجة النهائية..
من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك
من أجل فيلم Apocalypse رهن المخرج كوبولا بيته وباع كل ما يملك
استعان السيناريو بخبرات صحفي عاصر حرب فيتنام هو مايكل هير. جمع كوبولا مئات المعلومات عن حرب فيتنام بدءًا بانتشار تدخين الماريجوانا بين الجنود وكثرة السود وبرامج البلاي بوي الترفيهية... إلخ.
بدأ التصوير عام 1976 في الفلبين.. إن الفلبين هي فيتنام جاهزة لدى السينما الأمريكية، كما أن الأردن هو العراق دائمًا في هذه الأفلام. عملية قصف القرية في بداية الفيلم استغرق تصويرها 16 أسبوعًا، وقد احترقت طائرات حقيقية.. لقد كان الأمر أقرب لحرب واقعية.
كان بطل الفيلم الرئيس هو مارتن شين، لكن دور كورتز كان بحاجة إلى شخصية لا تقلّ عن مارلون براندو، وقد قبل هذا الأخير القيام بالدور. كان النجم العالمي مشكلة؛ لأنه صار بدينًا جدًا، ولأنه تشاجر كثيرًا جدًا مع المخرج، برغم تاريخهما السابق معًا في "الأب الروحي". كذلك أصيب النجم الرئيس مارتن شين بنوبة قلبية عطّلت العمل. هناك نجوم لم يكونوا معروفين بعد؛ منهم هاريسون فورد ولورانس فيشبورن الذي كان صبيًا في الرابعة عشرة من عمره.
ما لم يعرفه هؤلاء هو أن السيناريو غير مكتمل، ولا توجد نهاية مكتوبة له! لم يقرر كوبولا كيفية إنهاء الفيلم. وكما قيل: كنا تابعين لرجل مجنون بلا خطّة..
وفي النهاية تمّ عمل نسخة أولية عرضت في مهرجان كان عام 1979 فأثارت ذهول المشاهدين. وقد رشّح الفيلم لحشد من الجوائز نال كثيرًا منها، أهمها السعفة الذهبية في مهرجان كان، لكن بالنسبة لجوائز الأوسكار حصل على أوسكار التصوير (فيتوريو ستورارو) والصوت فقط، وبلغ من أهمية الفيلم أن مكتبة الكونجرس أمرت بحفظه؛ باعتباره أثرًا فنيًا بالغ الأهمية.
يبدأ الفيلم بمشهد لا يُنسى لأشجار النخيل في فيتنام تحلّق فوقها طائرات الهليوكوبتر الأمريكية، ثم يتحول كل هذا إلى نار، بينما يغني جيمي موريسون وفريق "الأبواب" أغنيتهم الرائعة الرهيبة "النهاية":
هذه هي النهاية..
يا صديقي الوحيد.. هي النهاية..
نهاية خططنا المحكمة..
نهاية كل شيء له قيمة...
لن أرى عينيك ثانية أبدًا..
يمكنك أن ترى هذه المقدمة هنا (لا تبدأ فعلاً إلا بعد ثلاثين ثانية)
وتتداخل الصورة لنرى الكابتن ويلارد بطل الفيلم الذي أضنته حرب فيتنام عصبيًا في فندقه بسايجون، غارقًا في الخمر والهلاوس.. لدرجة أنه يرى طائرات الهليوكوبتر تحلق في غرفة نومه. يأتي رجال من المخابرات الحربية يجعلونه يفيق بالقوة، ثم يأخذونه للقيادة حيث يكلفه القائد بمهمة عسيرة.. هناك ضابط ممتاز يدعى كورتز. هذا الضابط تمرد وعبر النهر والحدود من فيتنام إلى كمبوديا، حيث كوّن جيشًا خاصًا بنفسه، وانفصل تمامًا عن الجيش الأمريكي. إنه يتحول ببطء إلى إله كمبودي لا تردّ كلمته..
مهمة ويلارد هي أن يعبر النهر مع فريق خاص ويقتل كورتز هذا..
هكذا تبدأ الرحلة الجهنمية التي لا يمكن وصفها. يكون عليه في البداية أن يسلم نفسه للملازم كيلجور قائد وحدة الفرسان التاسعة لينقلهم إلى نهر النانج. قام بالدور روبرت دوفال، وهو نموذج مذهل للأدوار الصغيرة اللذيذة التي لا يمكن نسيانها؛ فالقائد مستمتع جدًا بالحرب ويعتبرها نزهة خلوية، وهو يكتشف أن مع ويلارد بطل أمريكا في التزلج على الأمواج العالية، لذا يصمم على مهاجمة قرية فيتنامية آمنة لأن جوارها مضيقًا نهريًا عالي الأمواج، وهو يريد تحدي بطل أمريكا. ينذره رجاله بأن هذه القرية مكان شارلي، وشارلي هو الرمز الأمريكي لكل رجل مقاومة فيتنامي، لكنه يصر..
وهكذا يتم الهجوم على القرية، ونعرف أنه يحب أن يشغل موسيقى فاجنر من طائرات الهليوكوبتر أثناء القتال.. فاجنر يشعل روح القتال لدى الجنود ويخيف الفيتناميين..
تنطلق الطائرات لتقصف القرية على نغمات "الفالكيري" رائعة فاجنر.. في ثوانٍ يتحول كل شيء لجحيم ونار من أجل بطل التزلج كي يمارس رياضته.
يمكنك مشاهدة المشهد الرائع هنا
يعتقد بعض الناس أن هذا المشهد "يدين القسوة الأمريكية"، لكن الحقيقة أنه يديننا جميعًا.. المشكلة هي أنه يضعك في مكان المنتصرين، لذا تجد الحماسة تعميك فتريد أكثر! إن كوبولا بهذا المشهد العبقري يفضح القسوة والعنف الكامنين في نفوسنا جميعًا. لسنا ملائكة كما نحب أن نعتقد.. نحن فقط لم نُمنح الفرصة لنكون أقوياء وقساة.
يتشمم كيلجور الهواء في استمتاع ويقول لبطل التزلج واحدة من أشهر العبارات في تاريخ السينما:
ـ"أحب رائحة النابالم في الصباح.. أبخرة الجازولين تلك.. إن لها رائحة الـ... لها رائحة النصر!".
شاهد اللقطة هنا
تتواصل الرحلة عبر النهر.. مخاطر من كل نوع.. عروض بلاي بوي يوشك الجنود الأمريكيون المحرومون على إفسادها، عندما يثبون في الماء محاولين الظفر بالراقصات العاريات. يرتكب ويلارد ورجاله عددًا لا بأس به من المذابح ضد الفيتناميين بسبب انفلات أعصابهم..
الآن بدأ الأمر يتحوّل إلى سريالية لا يمكن وصفها.. كأن القارب يتوغل عبر دوائر جحيم دانتي. ويعبرون الحدود إلى كمبوديا كأنهم يعبرون إلى عالم آخر..
مع الوقت يتناقص عدد رجال ويلارد.. يموتون بالسهام المنطلقة من الأحراش. بينما على جانبي النهر ترى الأجساد المتعفّنة المعلقة من الأشجار.
يدخلون القرية مركز قيادة كورتز.. رجال القبائل يلبسون خليطًا من ثيابهم الأصلية وثياب الجيش الأمريكي، وهم مسلحون بخليط من الرماح والسيوف والبنادق الآلية.. هنا العنف والدم في كل مكان، والمعبد البوذي مزين بالرءوس المقطوعة.
يظهر كورتز الرهيب.. إنه عملاق أصلع الرأس متشح بالسواد يقول كلامًا شعريًا غامضًا مبهمًا، لكنه يعرف أن ويلارد جاء من أجل قتله.. يصفه بأنه (صبي بقال أرسله معلمه للقيام بمأمورية). معظم لقطات براندو قريبة من وجهه مع الثياب السود لجعله أقل بدانة مما كان.
أداء مارلون براندو يدير الرءوس فعلاً.. يمكنك مشاهدة لمحة منه هنا
فلسفة كورتز بسيطة جدًا.. العنف والرعب والمزيد منهما.. لا بد للمرء أن ينقب في روحه عن القسوة. الفيتكونج قساة لهذا يربحون الحرب.. ذات مرة قامت القوات الأمريكية بتطعيم أطفال قرية ضد شلل الأطفال، فجاء الفيتكونج بعدها وانتزعوا أذرع الأطفال!. علينا أن نكون مثلهم.
الربع الأخير من الفيلم يحاضر فيه كورتز أسيره عن فلسفته، ويلقي عليه مقاطع من شعر ت.س. إليوت "الرجال الجوف".. هذه القصيدة بالذات استلهمها إليوت من قصة "قلب الظلام".
في مشهد النهاية الشنيع يفرّ ويلارد من سجنه ويخرج من المستنقع وسط الأبخرة، بينما يعود جيمي موريسون للغناء.. لقد تحوّل ويلارد إلى قاتل شيطاني كالذي تمناه كورتز. يدخل على كورتز في مخدعه ليمزقه بسكين عملاقة يحملها. نرى في ذات اللحظة قيام الأهالي -ضمن عيد ديني خاص بهم- بتمزيق ثور حي إلى شرائح بشواطيرهم (مشهد بشع جدًا أثار حنق المدافعين عن الحيوان؛ لأنه حقيقي). لحظة احتضار كورتز يهمس بالكلمة التي يعتبرها وصيته للعالم:
ـ "الرعب!!".
يخرج ويلارد الذي تحوّل إلى شيطان ملوث بالدم، فيقف رجال كورتز مذهولين صامتين.. لقد ظهر كورتز الجديد. يتجه للقارب حاملاً ميراث الرعب عن جدارة.. وتظلم الشاشة.
يمكنك رؤية مشهد النهاية هنا
الرعب! هذا الوحش النائم في أعماقنا والذي يخرج بسهولة بالغة... يمكن القول إن كورتز حقق فلسفته، وأن الجيش الأمريكي كله من أتباعه. وهكذا ينتهي واحد من أعظم الأفلام السينمائية.
نلتقي الحلقة القادمة إن شاء الله مع فيلم جديد من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorCharles ChaplinStarsCharles ChaplinPaulette GoddardJack OakieDictator Adenoid Hynkel tries to expand his empire while a poor Jewish barber tries to avoid persecution from Hynkel's regime.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين
شارلي شابلن أحد أيقونات القرن العشرين
يقول شارلي شابلن في مقولة شهيرة له عن مشروع إسرائيل: "لا أدري لماذا يجب أن نجمع يهود العالم في فلسطين؟ ولماذا لا نجمع كاثوليكيي العالم في الفاتيكان بهذا المنطق؟".
في الفيلم الذي نقابله اليوم تظهر نغمة يهودية واضحة؛ فهناك الجيتو وهناك الحلاق اليهودي، وبالطبع لم يكن الهولوكوست قد حدث بعدُ، لكنها وقائع تاريخية لا بد من الكلام عنها بحجمها الحقيقي.. نحن نؤمن أن يهودا أبيدوا وعذّبوا على يد النازيين، لكننا نؤمن أولا أن عددهم لم يكن 6 ملايين بأي شكل، وأنهم لم يكونوا الوحيدين، وأن إسرائيل لا تملك الحقّ في إبادة الفلسطينيين بدورها على طريقة "لا بد من طرف يدفع الثمن، وليس بالضرورة هو الطرف المسئول".
لهذا عندما يأتي فيلم اليوم من شابلن؛ فنحن نقبله ونضحك معه ونعجب ببراعة الرجل، بينما لو جاء هذا الفيلم من الأخوين كوين أو سبيلبرج أو وودي ألين لاعتبرناه عملا دعائيا معتادا.
شارلي شابلن غَنَيٌ عن التعريف، وهو أحد أيقونات القرن العشرين البصرية الشهيرة؛ بمعنى أن ملامحه مألوفة في كل أنحاء الأرض، ورؤيته تعني الضحك دائما مع الكثير من الرفق الإنساني والتعاطف.. يجب أن نذكر كذلك أن شابلن كان ذا ميول يسارية واضحة، وكان متعاطفا مع الاشتراكية والاتحاد السوفييتي إلى حدّ ما، وهذا جعله فريسة سهلة للسناتور مكارثي الذي كان يفتش عن الشيوعية في ضمائر الفنانين.
قدّم هذا الفيلم عام 1940 مع بداية الحرب العالمية الثانية، وكالعادة كتبه وأخرجه وكتب موسيقاه ومثّله.. لم يبقَ إلا التصوير الذي قام به كارل شتروس ورولاند توثيروه.
أنت تعرف أن شابلن ظلّ يقدّم الأفلام الصامتة لفترة طويلة، وهناك أفلام نصف ناطقة مثل "العصور الحديثة" الذي قدّمه عام 1936، ولهذا اتهموا شابلن بأنه عدو التقدّم (لودايت)، لكن هذا الفيلم ناطق بالكامل. لقد جاء الوقت الذي يتكلّم فيه الصعلوك الصامت حزين العينين شارلو، وهذا بعد ما نطقت الأفلام بستة عشر عاما.
جاءت الفكرة لشابلن عندما أخبره صديقه كوردا أنه يُشبه هتلر كثيرا.. هذا أوحى له بقصة الفيلم.
الفيلم يسخر من هتلر والفاشية.. هذا بالطبع في وقت لم تكن الولايات المتحدة قد أعلنت الحرب على ألمانيا النازية بعد. نقابل الحلاق اليهودي بطل الفيلم الذي يُحارب في الحرب العالمية الأولى ضمن جيش دولة اسمها "تومينيا".. الاسم ساخر طبعا وهو لعب على اسم سم شهير.. دار جدل طويل حول ما إذا كان الحلاق امتدادا لشخصية المتشرّد الصامتة القديمة أم لا.. هذا يعني أن متشرّد شابلن الذي يحبّه العالم كله كان يهوديا منذ البداية! طبعا هذا جدل يهودي لا يهمّنا كثيرا.
ينقذ الحلاق طيارا جريحا يزعم أنه يحمل برقيات مهمة، لكن الطائرة تهوي على كل حال وتغرق في مستنقع، ويفقد الحلاق ذاكرته.. في ذات اللحظة التي تنتهي فيها الحرب وتخسر "تومينيا".
نقابل بعد أعوام الدكتاتور أدينويد هنكل -الاسم يُذكّرنا باللحمية التي تسد التنفّس- وهو نسخة مضحكة من أدولف هتلر.
اعتمد شابلن على مشاهدته بأمانة لفيلم المخرجة الألمانية ليني رفنشتال (انتصار الإرادة)؛ كي يتمكّن من تقليد هتلر بشكل جيّد.. أنا رأيت هذا الفيلم الأخير وكدت أصاب بالفالج أو أموت مللا، لكنه مرجع مهم لمن يريد أن يدرس حركات وخطب هتلر.. من المعروف أن نسخة من فيلم "الدكتاتور العظيم" وصلت لهتلر وشاهدها مرارا، ويقول شابلن إنه مستعدّ لدفع أي مبلغ كي يعرف ما دار في رأس هتلر وقتها. تشابه شارب شابلن مع شارب هتلر كان موضع تعليقات كثيرة قبل هذا الفيلم.
شابلن يقوم بدور الحلاق والدكتاتور معا، ونراه يُلقي خطابا ساخرا يقلّد فيه طريقة هتلر في الخطابة، بل إنه يخترع لغة ألمانية خاصة به!
يحيط بالدكتاتور جاربيتش -الذي يرمز لجوبلز- وزير الدعاية الهتلري، وهرنج الذي يرمز لجورنج وزير الحربية الهتلري.. المهمة الأولى التي ينوي الدكتاتور القيام بها هي تطهير البلاد من اليهود، وفي الوقت ذاته نرى الحلاق في جيتو اليهود.. هناك قصة حب مع جارته اليهودية الحسناء هانا، تقوم بدورها الحسناء بوليت جودار التي كانت زوجة شابلن في الحقيقة وقتها.. لا ينقذ الحلاق من أنياب قوات العاصفة إلا تدخّل الطيار الذي أنقذه في الحرب.
أوهام القوة والسيطرة تسيطر على الدكتاتور هنكل، ونراه في مشهد جميل يرقص على موسيقى فاجنر مع كرة أرضية عملاقة سرعان ما تنفجر في يده:
يزداد اضطهاد هنكل لليهود، ويُحاول الطيار أن يقنع هنكل بأن يرحم اليهود قليلا؛ فيتهمه بأنه خائن ويلقي به في معسكرات الاعتقال.
هناك دكتاتور آخر يسيطر على دولة بكتريا اسمه "بنزيني نابولاني" -طبعا يذكّرنا بـ"موسوليني" جدا- يدعوه هنكل ليريه قوته العسكرية، وسرعان ما يتشاجر الرجلان كطفلين.
يزحف هنكل على دولة أوسترليتش المجاورة، ويحتلّها كما فعل هتلر مع النمسا بالضبط.
يحدث الخلط المعتاد في هذه الأفلام التي تعتمد على كوميديا الموقف.. الحلاق اليهودي يعتقد الجنود بأنه هو الدكتاتور هنكل، أمّا هنكل الذي يذهب في رحلة لصيد البط؛ فيعتبره الجنود هو الحلاق اليهودي.
عندها يتعرّض الحلاق للموقف الشهير؛ إذ يطلب منه إلقاء خطاب حماسي على الجماهير، وهو نفس المأزق الذي مرّ به نجيب الريحاني وعادل إمام وفؤاد المهندس واللمبي. و .. و..
يتكلّم من القلب، لذا تكون خطبته بليغة جدا تدعو الناس إلى السلام والمحبّة ونبذ الحروب؛ فليستغلوا العلم كي تصير حياتهم أفضل.
ويخاطب حبيبته هانا مباشرة.. هانا التي تعمل في معتقل في أوسترليتز.. يخبرها أن الغيوم قد زالت والحياة صارت أجمل.. الإنسان قد صار له جناحان، وهو يحلق نحو قوس القزح.. نحو النور..
هذه خطبة رائعة شهيرة جدا تأتي في نهاية الفيلم، ولسوف تجدها في عدة أماكن على النت.. كأنها رسالة سلام تركها شابلن للعالم من بعده:
بالطبع تمّ منع الفيلم في ألمانيا النازية وكل البلدان التي تحتلّها، لكن بعض رجال المقاومة نجحوا في تهريب نسخة من اليونان، وعرضوها في سينما في البلقان يؤمها الجنود النازيون. اكتشف الجنود بعد دقائق أن الفيلم يسخر من زعيمهم فأطلقوا النار على الشاشة، لنفس السبب ظلّ الفيلم ممنوعا في إسبانيا طيلة حكم فرانكو؛ أي حتى العام 1974.
كان شابلن يرى أنه الوجه الآخر من هتلر.. إنهما متشابهان تماما، وأحدهما مجنون والآخر ممثّل كوميدي؛ أحدهما يقتل الناس والآخر يضحكهم، ومِن ضمن نقاط التشابه أن كليهما يعشق موسيقى فاجنر، وقد ولدا في نفس التاريخ تقريبا، لكن ما أبعد البون بين الرجلين طبعا. - DirectorRichard FleischerKinji FukasakuToshio MasudaStarsMartin BalsamSô YamamuraJason RobardsThe story of the 1941 Japanese air raid on Pearl Harbor, and the series of preceding American blunders that aggravated its effectiveness.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
نمر.. نمر.. نمر
قالوا وقتها إن هذا هو معنى العنوان الغريب لفيلم الليلة، وهو -كما سنعرف- الاسم الكودي الياباني لعملية الهجوم على بيرل هاربور. عرفت من الإنترنت فيما بعد أن لفظة تورا هي خليط من لفظة Totsugeki ولفظة Raigeki اليابانية "تو - را". ومعناها هجمة طوربيد، لكن لها نفس نطق لفظة نمر اليابانية.
في ذات الفترة كان هناك فيلم آخر لعنوانه نفس الرنين، هو "تك تك تك"، وهو فيلم لسيدني بواتييه عن مشكلات التفرقة العنصرية في ولايات الجنوب.
رأيت فيلم "تورا تورا تورا" مع أبي في سينما الجمهورية بطنطا، وكنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي. لن أنسى هذا اليوم؛ لأنه كان فيلما رائعا حتى بالنسبة إلى طفل لا يفهم ما يدور، لكنه منبهر جدا بمشاهد الطائرات، ولأن فيلم "دراكيولا أمير الظلام" كان يعرض معه في نفس الحفل، وكانت هذه بداية عشقي للرعب ولشركة "هامر" البريطانية، برغم أنني ظللت عدة أشهر عاجزا عن البقاء وحدي في أي مكان!
دعونا من دراكيولا الآن لأننا نتكلم عن "تورا تورا تورا"، وقد طلب بعض الأصدقاء هنا أن أتكلم عنه، وراق لي هذا الاقتراح جدا.
في العام 1970 قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم. هذا المخرج المهم قدّم لنا من قبل أفلام: "20 ألف فرسخ تحت البحر" (20000 Leagues Under the Sea)، و"كونان المدمر" (Conan the Destroyer)، و"سويلنت جرين" (Soylent Green)، و"الرحلة العجيبة" (Fantastic Voyage) و"أشانتي" (Ashanti).
كانت النيّة هي أن يخرج الياباني العظيم أكيرا كوروساوا الجزء الياباني من الفيلم، لكن هذا لم يتم، السبب هو أنهم قالوا له إن المخرج الكبير ديفيد لين هو من سيخرج الجزء الأمريكي فتحمّس بشدة، لما عرف أن هذا لن يتم حرص على أن يتخلى عن المشروع، وفي النهاية تم الاتفاق على أن يخرج توشيو ماسودا الأجزاء الدرامية اليابانية، ويخرج كنجي فوكازاكو الأجزاء التي تحوي مؤثرات خاصة أو حركة. احتاج الفيلم إلى تخطيط دام ثلاثة أعوام قبل بدء التصوير الذي استغرق ثمانية أشهر. السيناريو كتبه لاري فورستر مع اليابانيين هيديو أوجوني وريوز كيكوشيما عن عدة كتب سجّلت أحداث هذا اليوم الرهيب، ومنها كتاب "لادسلاس فارجو وجوردون برانج" من جامعة ميريلاند.
قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم
قدّم المخرج الأمريكي ريتشارد فليشر هذا الفيلم الضخم
يحكي الفيلم عن يوم أسود في حياة أمريكا، هو السابع من ديسمبر عام 1941 عندما قامت اليابان بتدمير معظم الأسطول الأمريكي الغافل في ميناء بيرل هاربور، وبهذا دخلت أمريكا الحرب وقد كانت تحاول تحاشيها. الحقيقة أن هذا العمل كان غلطة حمقاء ارتكبتها اليابان، وقد قادت بعد هذا إلى تدمير هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية، قادت كذلك إلى دخول العملاق الأمريكي الحرب بكل قواه ما أدى إلى هزيمة المحور.
يبدأ الفيلم بتولي الأدميرال الياباني ياماماتو قيادة الأسطول من الأدميرال يوشيدا. إن اليابان غاضبة على أمريكا لأنها تعترض طريق المواد الخام المتّجهة إلى اليابان في المحيط الهادي. وجود الأسطول الأمريكي قريبا في بيرل هاربور خطر جدا، ويصفونه بأنه سكين مصوّبة نحو عنق اليابان؛ لا حل سوى ضرب الأسطول الأمريكي ضربة إجهاضية بأي ثمن.
في الوقت نفسه تنجح المخابرات الأمريكية في اعتراض الشفرات اليابانية، ويشعرون أن هناك شيئا سوف يحدث لكنهم لا يعرفون ما هو، يتابعون رسائل اليابان لسفارتها في أمريكا، إن المخابرات الأمريكية تترجم الرسائل بسرعة أسرع من السفارة اليابانية، آخر رسالة تطلب من السفير الأمريكي حرق مفاتيح الشفرة، وهي علامة مقلقة تنذر بدنو الحرب، لكن المخابرات تقدّر أن الأمر لا يتجاوز عمليات تخريب ضد الطائرات يقوم بها الجواسيس اليابانيون.
الآن يُتم اليابانيون تنسيق الهجوم بطائراتهم الزيرو -التي تشعر أنها تعمل بالزمبلك- تحت قيادة جيندا، أما العملية كلها فتتم تحت قيادة متسو فوشيدا. أول علامة على الهجوم كانت محاولة غواصة يابانية التسلل إلى بيرل هاربور، وتنجح مدمرة أمريكية في إغراقها.
كان التدريب شاقا ومعنويات اليابانيين عالية جدا، إذ غرقوا في جو من المزاح والنكات، وعند الفجر تنطلق الطائرات اليابانية واحدة تلو الأخرى من على حاملات الطائرات، قاصدة بيرل هاربور. هذه مشاهد رائعة الجمال ويصعب أن تنساها خصوصا مع موسيقى جيري جولدسميث الساحرة. الطائرات واحدة تلو الأخرى تندفع نحو الشفق، وقد شعر اليابانيون أن قرص الشمس الأحمر في الأفق هو فأل يبشّر بنجاحهم، سوف تشعر بالقشعريرة حتما وأنت ترى هذه اللقطات.
لدهشة اليابانييين لا تعترض طريقهم طائرة أمريكية واحدة، ويدوي النداء عبر اللاسلكي:- "تورا.. تورا.. تورا".
ونرى مشهدا ساخرا للأمريكان في طابور الصباح لا يشعرون بشيء، يسمعون الطائرات اليابانية فيحسبونها طائرات أمريكية سمجة تحلّق على ارتفاع منخفض، لم يستوعبوا أن هذا هجوم إلا عندما انهمرت عليهم طلقات الفيكرز والقنابل، الحقيقة أن هناك أوجه تشابه عديدة مع ما حصل لنا في يونيو 1967.
شاهد بدء الهجوم
الطائرات الأمريكية متراصة في المطارات وفوق حاملات الطائرات، والجناح يلمس الجناح.. بط جالس ينتظر الذبح، وسرعان ما يتحول الميناء الجميل إلى جهنم، شعلة نيران. يحاول البحارة أن ينقذوا الموقف، لكن الهجوم الياباني كاسح.
شاهد الغارة
تمّ الهجوم على موجتين، لكن اليابانيين فضّلوا عدم إرسال الموجة الثالثة خشية أن يجد الأمريكان حاملات طائراتهم ويدمروها.
الحقيقة أن المنتج داريل زانوك في شركة "فوكس للقرن العشرين"، فعل كل ما بوسعه كي يجعل المشاهد شبه حقيقية. والدقة التاريخية للفيلم عالية جدا، حتى أنهم استعانوا بقائد الضربة الجوية جيندا كخبير فني للفيلم.
التصوير كان خطرا في أوقات عديدة، هذه الطائرة من طراز P-140 انزلقت نحو مجموعة من ممثلي الحركات الخطرة وكادت تقتلهم فعلا، خصوصا أنها محمّلة بالمتفجرات.
شاهد هذه اللقطة
تم النصر وتدمير الأسطول الأمريكي بضربة ساحقة، لكن الأدميرال ياماماتو لا يبدو متحمسا، يقول للرجال في نهاية الفيلم:- "لقد أثرنا غضب العملاق النائم".
شاع أنه قال هذه العبارة حتى أنها استُعملت في أفلام كثيرة بعد هذا، لكن الحقيقة هي أنه لم يقلها قط، كاتب السيناريو هو من قالها، لكن هذا كان رأي ياماماتو فعلا. وفيما بعد الحرب زار الولايات المتحدة فقال:- "عندما أرى آبار النفط وحقول القمح المترامية في أمريكا، أدرك أننا لم نحسن صنعا".
فيما بعد سوف يستعيد الأمريكان سيطرتهم على المحيط الهادي مع موقعة ميدواي، وهذا عنوان فيلم آخر تالٍ لهذا.
في البداية لم يلقَ الفيلم نجاحا كبيرا في الولايات المتحدة، لكنه نجح في اليابان جدا، مع الوقت بدأ الجمهور يدرك قوة هذا الفيلم، وحاليا هو من كلاسّيات السينما التي لا يجادل فيها أحد. فاز الفيلم بأوسكار أفضل مؤثرات خاصة، لكنه رشح لأوسكار أفضل تصوير وأفضل إخراج فني، وأفضل مونتاج، وأفضل صوت.
استعمل فيلم "بيرل هاربور 2001" لقطات عديدة من هذا الفيلم، وعموما اعتمد على مؤثرات الكمبيوتر بغزارة ولم يكن عملا موفّقا جدا. - DirectorMilos FormanStarsF. Murray AbrahamTom HulceElizabeth BerridgeThe life, success and troubles of Wolfgang Amadeus Mozart, as told by Antonio Salieri, the contemporaneous composer who was deeply jealous of Mozart's talent and claimed to have murdered him.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
مذاق هذا الفيلم الساحر لا يفارق الفم بسهولة، وفي كل مرة أرى كادرًا واحدًا منه، أدخل في غيبوبة لا أفيق منها إلا مع تترات النهاية!.. فهو مصيدة فنية حقيقية..
برغم هذا لم أسمع أن الفيلم عرض في مصر أبدًا، فلم أره إلا على شريط فيديو في التسعينيات، وكانت معلوماتي السابقة عنه مستمدة من كتابات النقاد الذين رأوه في مهرجان كان عام 1984 فلم يستطيعوا أن يصمتوا لحظة!..
إن الحقد عاطفة بسيطة سهلة.. كل إنسان يستطيع أن يحقد. وأسهل الحقد هو ما رافقه الغباء والحمق؛ اللذان يجعلانك ترى أن الآخرين عديمو الموهبة نالوا أكثر مما يستحقون..
المشكلة هي الحقد الذي ينتاب الشخص الذكي الحساس ويعذبه، فهو يعرف قدراته ويعرف قدرات خصمه جيدًا، لهذا لا يستطيع أن يعلق نجاح خصمه على شماعة الحظ أو غباء الجماهير..
كانت هذه مشكلة سالييري موسيقار الملك. إنه ذكي جدًا وحساس وعاشق للموسيقى لكنه لم يملك القدرة على إبداعها. لهذا عندما قابل الفتى الطائش موتسارت لم يستطع إلا أن يعترف لنفسه بأن الفتى عظيم الموهبة وموسيقاه أسطورية، ولهذا عاشت روحه في جحيم أبدي.
عن مسرحية شهيرة لبيتر شيفر وإخراج ميلوش فورمان جاءت هذه القطعة من الفن الرفيع.. ميلوش فورمان مخرج من أصل تشيكي، هاجر إلى الولايات المتحدة وقدم مجموعة من الروائع؛ قابلنا منها هنا "أحدهم طار فوق عش الوقواق". التصوير كان للمصور ميروسلاف أندرتشك، وقد تميز بحساسية شديدة خاصة في نقل جو الشمعدانات والشموع.
القصة حقيقية تقريبًا مع الكثير من الخيال الذي لابد منه، وهي تحكي الصراع الخفي بين سالييري موسيقار الملك وموتسارت في بلاط ملك النمسا.
يبدأ الفيلم بسالييري، الشيخ مريض الاكتئاب الذي يحاول الانتحار بقطع عنقه. قام بدور سالييري -في أداء مذهل نال جائزة الأوسكار- الممثل ذو الأصل السوري (ف. موراي أبراهام)، الذي يكتبون اسمه أحيانًا (فريد مرعي إبراهيم).
فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع
فورمان مخرج من أصل تشيكي قدم مجموعة من الروائع
إن سالييري هو موسيقار الملك.. وهو من أصل إيطالي، وهو مصرّ على أنه هو من قتل موتسارت الموسيقار العظيم. يُنقل إلى المصحة العقلية ويأتي إليه قس شاب ليأخذ اعترافاته.
يعزف سالييري على البيانو مقطوعة صغيرة ويسأل القس عن مؤلفها.. لا يعرف القس؛ فيعلن سالييري أنه هو مؤلف هذه المقطوعة. ثم يعزف مقطوعة أخرى يعرفها القس على الفور، ويهنئ الشيخ على موهبته العظيمة، لكن سالييري يخبره أن موتسارت هو مؤلف هذه المقطوعة.. هكذا يوضح الفيلم عقدته وقضيته من اللحظة الأولى.. موسيقى سالييرى قد نُسيت وتلاشت بينما ظلت موسيقى موتسارت خالدة.. والفيلم كله بعد هذا فلاش باك طويل لحياة سالييري وشبابه كما يحكي للقس.
شاهد مشهد القس هنا
منذ طفولته كان سالييري يعشق الموسيقى ويتمنى أن يصير موسيقيًا عظيمًا.. لقد منح حياته كلها للموسيقى. في النهاية استقر به المطاف في البلاط النمساوي في فيينا، وصار موسيقار الملك. ملك النمسا كان يعشق الموسيقى برغم أنه لا يملك أذنًا موسيقية على الإطلاق. لكن سالييري أحب الحياة وأحب نفسه، وعاهد الله ألا يتزوج ليكرس حياته كلها للموسيقى..
هنا يهبط عليه موتسارت من سماء صافية.. أقرب إلى مراهق غرير كثير العبث يلبس كالمهرج، وله ضحكة رفيعة صاخبة مزعجة.. هذا الدور أداه ببراعة توم هولسي، وهو ممثل حُرم جائزة الأوسكار مظلومًا بالتأكيد. يقولون إنه اعتمد في الأداء على شخصية لاعب التنس المتقلب ماكنرو. موتسارت في طريقه إلى الزواج من فتاة شعبية باسلة تفهمه تمامًا. سرعان ما يكتشف سالييري أن الفتى يملك موهبة غير عادية برغم أنه مخلوق عجيب..
شاهد انبهار سالييري هنا
عندما يُدعى موتسارت إلى لقاء الملك، فإنه يقضي الوقت في انتقاء جملة مناسبة. بينما يقوم سالييري بكتابة مقطوعة صغيرة للترحيب به. هنا ندرك أن المحيطين بالملك فريقان: فريق الموسيقيين الإيطاليين ومنهم سالييري، وفريق النمساويين الذين يتحمسون لموتسارت بالطبع. يستقبل موتسارت مقطوعة الترحيب بلا مبالاة واضحة، بل إنه يُدخل عليها تعديلات فورية ليجعلها أجمل (أمام غيظ سالييري وحرجه).
شاهد هذا المشهد الممتع هنا
مع الوقت يتزايد نفوذ موتسارت.. يُسمح له بأن يقدم أوبرا كاملة، ويكتشف سالييري أنه خطف منه حبيبته مغنية الأوبرا كذلك.. إن موتسارت يمثل فرصة ممتازة ليكون هناك موسيقار نمساوي يقدم أوبرا بالألمانية، بعدما سيطر الإيطاليون على كل شيء.
وهكذا يقدم أول أوبرا له بالألمانية
إن الصراع النفسي المعقد لدى سالييري ينبع من تديُّنه الشديد، مما يجعله لا يفهم لماذا اختص الله موتسارت الطائش بكل هذه الموهبة، بينما حُرم هو منها.. هكذا يتزعزع إيمانه الكاثوليكي مع الوقت.
يلعب سالييري لعبة خطرة مع موتسارت، إذ يعرقل معظم مشاريعه سرًا، وإن كان يتظاهر في الوقت نفسه بأنه أقرب صديق له.
يتقرب لزوجته (في الجزء الذي تم حذفه من الفيلم يغرر بها فعلاً)، وهكذا تجلب له بعض مخطوطات موتسارت الأصلية.. يكتشف سالييري في هلع أن هذه المخطوطات هي الصيغة الأولى (Draft) للألحان التي يؤلفها موتسارت. أي أنه لا يتكلف جهدًا في كتابة الموسيقى.. إنه مجرد يد تكتب الألحان التي تُملى عليها إملاء من السماء!..
شاهد هذا المشهد هنا
هنا ينتهي الأمر بالنسبة إليه.. لقد قرر أن يعلن الحرب على موتسارت وأن يدمره تدميرًا.
يتسلل لدار موتسارت مرارًا بعد ما قام برشوة خادمة تعمل هناك، ويتفحص كل شيء هناك؛ كالمنضدة التي يكتب الموسيقى عليها وريشة الحبر.. و.. علاقة معقدة جدًا هي مزيج من الكراهية والعشق المفتون. يدرك أن موتسارت ينزلق إلى ضائقة مالية بسبب إفراطه في اللهو.. يدرك كذلك علاقة موتسارت المعقدة مع أبيه الطاغية الذي توفي.. هكذا يلعب مع موتسارت لعبة نفسية خطرة إذ يلبس مثل أبيه ويضع قناعًا مخيفًا ويتظاهر بأنه ثري يريد من موتسارت لحنًا جنائزيًا.. يعرف سالييري أنه سيسرق لحن موتسارت هذا وسوف يقدمه للناس يوم وفاة الأخير..
الضغوط كثيرة على الفتى، بين الضائقة المالية ومطالب الأسرة والإفراط في الشراب، والحرب الخفية من سالييري ضده، وما يشعر بأنه شبح أبيه العائد.. ثم تأتي الطامة الكبرى عندما تغضب زوجته وتترك البيت مع طفلها..
الآن ينزلق الفتى إلى عالم مريع من الإرهاق والمرض والجوع والعربدة..
الملاك الذي يسدي له العون هو سالييري، الذي يقنعه بأن يستكمل القداس الجنائزي وهو سيساعده بالتدوين. هكذا يرقد موتسارت في الفراش لا يرى تقريبا ويبدأ التأليف، بينما يدون سالييري ما يقول.. وبالطبع لا يرحمه ولا يتركه ليرتاح. هذا أروع مشاهد الفيلم وأروع لحظات سالييري، لأنه رأى عن قرب من أين يأتي موتسارت بموسيقاه وكيف تتحقق المعجزة.. بينما موتسارت لا يعرف أنه يكتب اللحن الجنائزي الخاص به! حركات موتسارت وإيماءاته ودندنته تخلق أوركسترا كاملة، واللحن يتداخل مع سباق عربة الزوجة في الظلام وهي عائدة لزوجها، مع ذهول ساليييري وهو يفهم المعجزة ببطء..
شاهد هذه اللقطة هنا
عند شروق الشمس تكون الزوجة الغاضبة قد عادت إلى الدار لتجد سالييري.. تطرده من الدار طردًا، ثم تكتشف أن إرهاق الليلة الماضية قد قتل زوجها العبقري.. لقد انتهى لحن القداس لكنه لم يكتمل.. ونفذ سالييري جريمة القتل التي لا يمكن أن تدينه بها..
نعود لسالييري الذي ما زال يحكي قصته للقس في المصحة العقلية. لقد عاش طويلاً بعد موتسارت وهكذا استمتع برؤية الناس ينسون موسيقاه -موسيقى سالييري- وينسون من هو، بينما ظل موتسارت حيًا. ويصيح سالييري وهو على مقعده معلنًا أنه ملك محدودي الموهبة.. تعالوا إليّ!.. ونسمع ضحكة موتسارت الماجنة الرفيعة تدوي.. فهو ما زال يسخر من سالييري!
انتهى هذا الفيلم الذي يصعب نسيانه..
تاريخيًا هناك اختلافات عديدة عن الواقع، منها أن سالييري لم يقتل موتسارت ولم يكن هو نفسه موسيقيًا سيئًا.. بالطبع هناك هواة لحصر هذه الاختلافات لكنها لا تفسد متعة الفيلم.
رُشح الفيلم لإحدى عشرة جائزة أوسكار حصد منها ثماني بجدارة. كما حصد أربعًا من جوائز الكرة الذهبية.
هذا الفيديو طريف فعلاً، وهو يريك بعض الأخطاء في فيلم أماديوس
كان هذا فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorSidney LumetStarsHenry FondaLee J. CobbMartin BalsamThe jury in a New York City murder trial is frustrated by a single member whose skeptical caution forces them to more carefully consider the evidence before jumping to a hasty verdict.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
هناك نسختان من هذا الفيلم الرائع: نسخة عام 1957 ونسخة عام 1997. لم أر النسخة الأخيرة وإن كنت أميل إلى أنها جيدة بدورها؛ لأن مخرجها هو ويليام فريدكين صاحب (طارد الأرواح الشريرة)، وهو لن يضع اسمه على أي عمل غير متقن.
النسخة الأولى رأيتها في برنامج نادي السينما منذ أعوام طويلة، وقد انبهرت بقدرة المخرج على أن يصنع فيلما شائقا مثيرا، بينما هو حبيس مكان واحد خانق حار. فيما بعد رأيت فيلما يدور في ذات الجو الخانق هو "يرث الرياح" أو "ميراث الرياح" لستانلي كرامر، الذي يدور في قاعة محاكمة في الجنوب الأمريكي في يوم رطب شديد القيظ. كلا العملين الرائعين أخذ عن مسرحية.. لكن براعة المخرج تجعلك تنسى هذا تماما.
مسرحية "12 رجلا غاضبا" مسرحية تليفزيونية كتبها ريجنالد روز، ولها شعبية كبيرة عند شباب المسرحيين، وقد تلقّيت مؤخرا دعوة لحضور عرض مسرحي لها في المنصورة من إعداد صديقي أحمد صبري غباشي، لكن لم أتمكّن من الحضور، واكتفيت بأن اقترحت عليه أن يقدّم مسرحية "يرث الرياح" كذلك.
كما قلنا في الأسبوع الماضي، أخرج الفيلم سيدني لوميت الذي قابلناه مع فيلم "بعد ظهر يوم حار".
هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز
هنري فوندا يتوسط طاقم الممثلين المميز
البطل الحقيقي للفيلم هو الحوار، وهو طاقم الممثلين الممتاز وعلى قمتهم هنري فوندا. إن الفيلم مباراة أداء رائعة بين أسماء عالية الاحترافية؛ مثل هنري فوندا ومارتين بالسام ولي جي كوب وجاك كلوجمان. الطريف أن الاثني عشر رجلا غاضبا ماتوا جميعا في عالم الواقع باستثناء كلوجمان.
لا تعتمد مصر في المحاكمات على نظام المحلّفين، لكنه النظام المطبّق في الولايات المتحدة. هنا يتم اختيار 12 مواطنا حسن السمعة (بموافقة الادّعاء والدفاع معا) ويكون على هؤلاء المحلّفين أن ينعزلوا تماما عن قراءة الصحف وسماع الأخبار حتى لا يتأثر قرارهم. فقط يتابعون المحاكمة، وفي النهاية يجتمعون ليصلوا لقرار واحد.. هل المتهم مذنب أم لا.. لو اتضح أن المتهم مذنب يكون على القاضي اختيار العقوبة.
هذا بالضبط هو الموقف الذي يدور حوله الفيلم.. المحلفون مجتمعون في غرفتهم يحاولون الوصول لقرار.. هل الفتى المتهم قد قتل أباه أم لا؟ سوف ينتج عن هذا القرار حكم بالإعدام. ونحن لا نعرف أسماء المحلفين ولا اسم الفتى المتهم طيلة الفيلم، فقط نعرف اسمين في نهاية الفيلم؛ فالموقف أكثر عمومية من التقيد بأسماء.
المشكلة هنا هي أنه لا يوجد إجماع.. أحد عشر صوتا يدين الفتى بينما هنري فوندا -المحلّف رقم 8- يصر على أنه بريء.. إنه يشك في شهادة الشهود الذين قالوا إن المدية المستعملة في الجريمة نادرة الطراز، ويرى الكثير من النقاط المبهمة في الشهادات.
شاهد المشهد الذي يخرج فيه هنري فوندا من جيبه مدية مماثلة للمدية "نادرة الطراز"
يعاد التصويت مع انسحاب هنري فوندا منه، فيتبين أن محلفا آخر انضمّ لرأيه.
هكذا تهتزّ الأرض نوعا تحت أقدام المحلفين الواثقين من قرارهم.. محلف ثالث بدأ يرى أن المتهم غير مذنب..
هناك جدل حول امرأة من الشهود تبدو علامات النظارة على أنفها، وبرغم هذا لم تكن تضع النظارة وقت الحادث.. فكيف رأت ما حدث بوضوح؟
شاهد جوزيف سويني يناقش هذه النقطة هنا
إننا نعرف أكثر فأكثر شخصيات الجالسين.. منهم من يصرّ بعناد وغرور على رأيه، ومنهم من يلين؛ لأنه يتعاطف مع الفتى لأسباب شخصية، أو لأنه نشأ في الأزقة مثله. ومع الوقت يتزايد عدد من يرون أن الفتى غير مذنب. اللعبة هنا هي كيف يتم هذا، وكيف يتناقص عدد من يرون أن الفتى مذنب. مع الوقت يدرك الجالسون أنهم يأخذون الأمر بخفّة أكثر من اللازم مع أنه يتعلق بحياة شاب.. شاب لم يرتكب الجريمة على الأرجح.
شاهد جزءا من الجدل هنا
مع الوقت لا يبقى سوى 3 ممن يصرّون على رأيهم. وندرك أن هناك أسبابا تتعلق بشخصية ونفسية كل منهم، مثلا من خاض منهم صراعا مع ابنه يحمل حقدا خفيا نحو الفتى المتهم بقتل أبيه؛ لأنه يرى نفسه في صورة هذا الأب. نحن نعرف أن الزوجة التي أساء زوجها معاملتها مثلا يسهل أن تدين أي زوج قتل زوجته، أو تبرئ أية زوجة فعلت العكس.
يزداد عدد المؤيدين لبراءة الفتى، وفي النهاية تنقلب الصورة تماما ويخرج القرار: الفتى ليس مذنبا.
تبدو الحبكة بسيطة.. لكن اللعبة الحقيقية الصعبة هي الطريقة التي تتغير بها الآراء، والصراع الذهني المستمر.. وإن كنت شخصيا أرى بعض التعسف أو الافتعال في بعض المواقف.. الناس لا تغير آراءها بهذه السهولة في الواقع..
أنتج الفيلم هنري فوندا نفسه، وهي تجربته الوحيدة مع الإنتاج السينمائي على كل حال. المصوّر كاوفمان استخدم تقنيات متقدمة وعدسات خاصة؛ ليوحي بالجو المغلق الخانق والعرق على الوجوه. سبقت التصوير بروفات مرهقة وطويلة جدا في ذات المكان، لهذا لم يستغرق التصوير نفسه وقتا طويلا.
يظهر الفيلم دائما في أية قائمة لأفضل الأفلام في التاريخ. وهو الأفضل في قائمة أفلام قاعة المحاكمة. لم يحقق الفيلم نجاحا تجاريا وإن فاز بانبهار النقاد.. كما أن عرضه في نفس العام مع "جسر على نهر كواي" تحفة ديفيد لين أدى إلى حرمانه من جوائز أوسكار كان يستحقها بشدة. وكان عليه أن ينتظر طويلا حتى يدرك الجمهور أي فيلم رائع هو.
كان هذا فيلما آخر من أفلام الحافظة الزرقاء،،، - DirectorFrancis Ford CoppolaStarsMarlon BrandoAl PacinoJames CaanThe aging patriarch of an organized crime dynasty transfers control of his clandestine empire to his reluctant son.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
يستطيع المخرج العالمي العظيم فرانسيس فوردكوبولا ذو الأصل الإيطالي، أن يفتخر دوما بأنه قدّم فيلمين يتنافسان على صدارة قائمة أعظم أفلام في التاريخ؛ وهما "الأب الروحي - 1972" و"سفر الرؤية الآن - 1979"، والفيلمان معروفان ويتنافسان على المركز الأول دائما مع "خلاص شوشانك" و"المواطن كين".
فيلم الأب الروحي مهم جدا ومتشابك بالرموز ولم يفقد شيئا من سحره بعد هذه الأعوام.. ولسوف تجده في معظم الكتب المعنيّة بتحليل السينما.. هنا سوف تجد نفسك واحدا من أفراد عصابات المافيا تُواجه مشكلاتهم وتقلقك همومهم، ولسوف تكتشف أن هذا المجتمع العصابي تحكمه قيم وتقاليد، ويُعطي أهمية عظمى للترابط الأسري، وعندما ينتهي الفيلم لن تستردّ حريتك أبدا.. لقد تغيّر جزء من ثقافتك للأبد ليحمل لمسة من عوالم المافيا. ربما يجد البعض هذا ظاهرة سلبية، لكنك في النهاية توسّع نظرتك للعالم أكثر.
ربما سمعت عبارة "عرضٌ لا تستطيع رفضه" أو سمعت اللحن الشهير المميّز للفيلم.. المهم أن كل واحد في عالمنا يحمل بصمة من هذا الفيلم، وبرغم هذا كان كوبولا صغير السن جدا عندما عهدت له بارامونت بإخراج هذا العمل الجبّار، ولم تكُن له تجارب مهمة سوى فيلم "المحادثة" (تكلّمنا عنه من قبل في هذا الباب)، ولعل كوبولا أوّل واحد يصل للنجاح من جيل العيال الشهير في السينما الأمريكية.. العيال المزعجين -من أمثال سكورسيس وسبيلبرج- الذين غيّروا خارطة السينما للأبد.
اعتمد الفيلم على رواية بنفس الاسم للأديب إيطالي الأصل "ماريو بوتسو"، وهو يعرف المافيا جيّدا، بل يبدو كأنه (دون) من زعمائها بشكله الفخم المميز.
كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم
كوبلا قدّم فيلمين يتنافسان على قمة أعظم الأفلام في العالم
هناك مَن يعتبرون أفضل الأجزاء هو الثاني، وإن كنت عن نفسي أفضّل الأول، لكن هناك شِبه إجماع على أن الجزء الثالث هو أضعف الأجزاء الثلاثة.
يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي ضخم هو زفاف ابنة الدون كورليوني (مارلون براندو).. هنا تقريبا يقدّم لنا الفيلم كل الممثلين وكل اللاعبين ونفهم كل العلاقات، عن طريق القطع بين حفل الزفاف نفسه، وبين الدون الذي ينسحب من وقت لآخر لغرفة المكتب ليُجري مقابلة سريعة.
نعرف مساعديه ونعرف محاميه الأريب "روبرت دوفال"، ونعرف أنه يُدير شبكة قمار عبر الولايات المتحدة كلها.. ذراعه اليمنى هو ابنه المندفع "جيمس كان"، وله ابن آخر ضعيف الشخصية متخاذل "جون كازال"، وهناك ابن مهذّب يريد له أن يظلّ بعيدا عن القاذورات هو "آل باتشينو"، وهو يبدو كالفتيات الرقيقات فعلا في هذا الجو، وكما يُردّد لحبيبته التي تجلس معه في الزفاف: هذه أسرتي.. ليس أنا..
نحن لا نعرف خلفية "الأب الروحي" جيّدا.. نعرف فقط أنه قوي جدا، وأنه يتمتّع بجانب إنساني لا بأس به.. وفي الجزء الثاني نعرف خلفيات فراره من صقلية إلى الولايات المتحدة ونشأته في الأحياء الفقيرة، وكيف تعلم أن يصير مجرما.. إلخ... لكن ليس في هذا الجزء.
التفاصيل الصغيرة والأداء المذهل من الممثلين هو ما يصنع قوة هذا الفيلم المدهش، وفي المشهد الافتتاحي نعرف جزءا من قواعد هذا المجتمع المتشابك... إنني أقدّم لك خدمة مقابل أن تظهر الاحترام لي، وتُؤدّي لي خدمة في وقت ما، لا أعرف متى ولا أين.. وهكذا نعرف مشكلة الحانوتي الذي تبنّى فتاة صغيرة ثم هاجمها وغدان حاولا اغتصابها وكسرا فكّها.. إنه يريد الانتقام. يرفض "الأب الروحي" في البداية لأن الحانوتي لم يأتِ له من قبل ولم يعرض صداقته عليه، ثم يُوافق على تلقين الوغدين درسا على أن يظلّ الحانوتي مدينا له بخدمة واحدة لا يعرف ما هي بعد.. فيما بعد سوف نعرف أن هذه الخدمة المشئومة هي أن يجمّل جثمان ابنه حتى لا تراه أمه ممزقا.
شاهد المشهد الافتتاحي مع الحانوتي
هنا سخرية واضحة.. الحانوتي يحبّ المجتمع الأمريكي بينما لا نرى من هذا المجتمع سوى عالم العصابات ورجال الشرطة الفاسدين.. وكما قيل عن الفيلم إنه يظهر "دمار الحلم الأمريكي".
هكذا تتواصل التفاصيل الصغيرة وتتدفّق المعلومات أثناء حفل الزفاف، لكن الجو حميم جدا فلا يخطر ببالك أبدا أن هذه عصابات.. مجرد أسرة إيطالية ظريفة في زفاف، وفيما بعد استنسخ المخرج مايكل شيمينو هذا المشهد تقريبا في فيلم "صائد الغزال"، لكنه جعل الأسرة روسية.
شاهد لقطات من حفل الزفاف الإيطالي المليء بالحيوية
وفي هذا الحفل سوف نقابل الممثّل الذي بدأ نجمه يخبو، والذي يريد أن يُساعده دون كورليوني على أن ينال دورا في فيلم جديد.. هنا نعرف جانبا من أساليب كورليوني؛ فهو يُرسل المحامي الملاكي الخاص به إلى منتج الفيلم ينصحه بأن يعطي الدور لهذا الممثل، ونعرف لأول مرة تعبير "عرض لا يمكن رفضه".. هذا تهديد خفي باستعمال العنف، وبالفعل يرفض المنتج فتكون النتيجة أنه يصحو في فراشه ليجد رأس حصانه الجميل المفضّل غارقا في الدم تحت الملاءات..
"عرض لا تستطيع رفضه" تعبير اقتحم الثقافة الشعبية منذ قدم فيلم "الأب الروحي"
في نفس الحفل نقابل مشكلة الفيلم الحقيقية.. التركي.. تاجر المخدرات الذي يحلم بأن يبيع الهيروين في الولايات المتحدة مقابل أن يمنحه دون كورليوني نفوذه. يرفض دون كورليوني هذا؛ لأنه يجدها لعبة خطرة جدا و"غير أخلاقية". حسب منطقه فالقمار خطيئة بسيطة يفرج بها الرجل العادي عن نفسه، لكن المخدرات تدمير كامل للمجتمع الأمريكي.
هكذا يُعلن التركي الحرب بالاستعانة بالأسرة المنافسة "تاتاليا".. وهذا هو موضوع الفيلم الذي أعتقد أن الجميع يعرفونه فلن أحكيه.. دعك من أن الفيلم يُعرض في التليفزيون كثيرا جدا فلا تفوت فرصة مشاهدته. هذا الصراع هو الذي سيُؤدي بالابن الوديع آل باتشينو إلى أن يصير من زعماء المافيا، ولسوف يقتل التركي مع مدير البوليس في مشهد رهيب، وبهذا يتمّ تجهيزه بالدم ليصير الأب الروحي الثاني
وهكذا تضطرّ الأسرة إلى تهريب آل باتشينو إلى صقلية -مسقط رأس الأسرة- بضعة أشهر، وهنا يأتي أكثر أجزاء الفيلم عذوبة، مع موسيقى الرعاة في صقلية التي صنع منها الملحن العالمي نينو روتا لحنا لا يمكن نسيانه، وهو الذي أضاف له المطرب أندي ويليامز كلماته لتصير أغنية "تكلّمي بنعومة يا حبيبتي" الشهيرة جدا..
هناك مَشاهد لا يمكن نسيانها أبدا؛ مثل مشهد مقتل الابن سوني (جيمس كان)، وهو مقتبس من مشهد موت بوني وكلايد في الفيلم الشهير، والأب يحمل جثمانه إلى الحانوتي الذي قابلناه في أول الفيلم.. الخدمة التي حان وقتها هو أن يجعل الجثة التي مزّقها الرصاص قابلة لأن تراها الأم.. وهنا إضاءة مقبضة قادمة من أعلى تميّز بها الفيلم كله، وأبدع فيها المصور ألبرت رودي، مع أداء مذهل من براندو؛ خاصة وهو يقول:- "هل رأيت كيف مزّقوا ولدي؟"
هناك كذلك التحوّل المذهل في شخصية آل باتشينو من فتى مهذب خجول أقرب للفتيات، إلى تلك الشخصية المخيفة التي تستطيع القتل بمجرد النظرات.. إن الممثل المرعب في آل باتشينو ظهر بوضوح، لكنه كان محاطا بعمالقة تمثيل من وزن براندو وروبرت دوفال لذا كان عليه أن ينتظر فيلم "بعد ظهر حار" حتى يتألّق كالنجم وحده.
هناك كذلك مشهد شهير جدا في عالم المونتاج "مونتاج ويليام رينولدز" يستخدم لتدريس المونتاج المتوازي في كل مكان، ولسوف تجده في كل كتاب سينمائي.. مشاهد تعميد ابن آل باتشينو في الكنيسة تتداخل مع مشاهد قتل باتشينو لكل خصومه.. هذا نوع آخر من التعميد يجعله الأب الروحي للمافيا هذه المرة.
هناك رسائل خفية في الفيلم؛ مثلا لا بد من أن يظهر البرتقال قبل أي مجزرة أو مذبحة.. البرتقال ثم الدم.. هذه هي القاعدة.
كان أداء مارلون براندو رائعا؛ خاصة مع الماكياج الذي جعله أكبر سنا مع انتفاخ ودجيه، ونبرة الصوت المبحوحة لأن الشخصية أصيبت برصاصة في الحنجرة في الماضي. وقد انبهر كثير من رجال المافيا الحقيقيين بالأداء لدرجة أن بعضهم افتعل لنفسه طريقة الكلام ذاتها، لكن براندو لم يقبل جائزة الأوسكار، على سبيل الاحتجاج بسبب تصوير السينما الأمريكية الظالم للهنود الأمريكيين كما قال.
نال الفيلم أوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثّل وأفضل سيناريو، وكان من المتوقّع أن ينال أوسكار أفضل موسيقى، لكن تبيّن أن نينو روتا استعمل اللحن ذاته في فيلم سابق، وهكذا تمّ حذف الترشيح وإن نال جائزة الكرة الذهبية.
إن الفيلم يحتاج لعدة مقالات للكلام عنه، وفي كل مشاهدة تكتشف نقاطا رائعة لم تلحظها أول مرة.. ولنا لقاء جديد مع الحافظة الزرقاء إن عشنا. - DirectorStanley KubrickStarsJack NicholsonShelley DuvallDanny LloydA family heads to an isolated hotel for the winter where a sinister presence influences the father into violence, while his psychic son sees horrific forebodings from both past and future.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
ستيفن كينج عبقري الرعب وستانلي كوبريك عبقري الإخراج. لقاء السحاب المذهل..
الغريب هنا أن الفيلم جاء تحفة فنية حقيقية، لكنه لم يرق لكينج بتاتا، وشعر بأن أفكاره قد تمّت خيانتها في هذا الفيلم، وأن شخصية كوبريك كانت هي الأقوى، خاصة أن الأخير لم يشاركه كتابة السيناريو، وهذا دفعه ليشبّه الفيلم بسيارة كاديلاك حديثة فاخرة لكنها بلا محرك ولا تذهب لأي مكان.. وقد قام بكتابة سيناريو آخر للفيلم، وتم تقديمه في فيلم تليفزيوني متوسط النجاح والقيمة على كل حال. فيما بعد قال كلمته الشهيرة: "كوبريك رجل يفكر كثيرًا جدًا لكنه لا يحسّ!"، من ثم قال كوبريك: "ستيفن كينج يحسّ كثيرًا جدًا لكنه لا يفكر!".
خرج هذا الفيلم للعالم عام 1980، وأذكر أنني شاهدته في السينما وأنا طالب في سنوات الكلية الأولى وانبهرت به كثيرًا.. وقرأت الرواية بعد ذلك بعشر سنوات تقريبًا.. بعد خمسة عشر عامًا أخرى كتب عليّ أن أتكلم عنه وعن سينما الرعب في ساقية الصاوي، عندما قرر بعض الشباب المتحمس عرضه ضمن برنامج يهدف لعرض مائة فيلم عالمي لا بد أن تراها.. وهو مشروع رائع طموح من الطبيعي جدًا ألا يستمر!
اندهشت جدًا لما عرفت أن فيلم اليوم قوبل بفتور عندما عُرِض أول مرة، هو الفتور التقليدي الذي يقابل به أي فيلم جديد للعبقري ستانلي كوبريك.. هذه هي القصة الحتمية دائمًا.. بعد أعوام يعود الناس لمشاهدة الفيلم، فيكتشفون أنه سابق لعصره وأنه تحفة، وبعدها يتحول الفيلم إلى واحد من كلاسيكيات السينما..
حدث هذا مع 2001 أوديسا فضائية.. وحدث مع فيلم اليوم.. ومن الغريب أن النقاد العظام من أمثال روجر أيبرت وغيرهم كان رأيهم متحفظًا في البداية، ثم تضخّم إعجابهم اليوم حتى إنك لا تصدّق أن نفس الشخص هو قائل نفس الكلام.
المخرج العظيم مارتن سكورسيز اعتبره من أكثر عشرة أفلام إرعابًا في التاريخ، وقال روبرت دي نيرو إنه لم ينم لمدة أسبوع بعد مشاهدته.
الأهم أن دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة لا شكّ فيها..
دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة
دخول ستانلي كوبريك مجال الرعب أضفى على أفلام الرعب قيمة
الفيلم يحكي ببساطة قصة فندق مسكون.. قصة بسيطة جدًا يقدر أي مخرج على أن يقدّم منها فيلم حرف (ب) معقولاً.. لكن بين يدي كوبريك يتحول الفيلم إلى عمل خارق.. أولاً هناك المجاز الواضح.. إن فندق أوفرلوك المخيف ليس سوى رأس جاك تورانس بما فيه من مخاوف وعُقَد.. هناك الإيقاع البطيء جدًا الذي يبني الرعب مع الانتظار، وهذا درس مهم: بطء الإيقاع قد يفيد فيلم الرعب أكثر من سرعته.. وهناك جو التوجس الغريب، وهناك ذلك الإحساس بالمكان الشاسع الذي يمكن أن يوجد فيه أي شيء.. هناك تصوير جون ألكوت البارد الرائع. وهناك اللغز الذي أقضّ مضجع هواة السينما والذي يظهر لنا طرف منه في نهاية الفيلم ويجعلنا نتساءل من البداية..
جاك نيكلسون (اسمه في الفيلم جاك تورانس) مؤلف قصصي يحاول أن يعالج نفسه من إدمان الخمر. هذه نقطة مهمة جدًا، ومن أجلها كتب ستيفن كينج قصته، وقد تضايق جدًا لأن كوبريك تجاهل هذه النقطة إلى حد كبير.. وهي تجربة شخصية مرّ بها..
من أجل الفرار من الخمر والبحث عن إلهام قصصي جديد، يقرر جاك تورانس وزوجته وابنه أن يقوموا بحراسة فندق كبير منعزل هو فندق أوفرلوك.. الفندق فاخر واسع.. لكن المشكلة هي أن الثلوج تحاصره في الشتاء تمامًا، ويكون عمله هو الصيانة وتذويب الثلج في المواسير.. إلخ.. فيما عدا هذا يمكنه اعتبار الفندق غرفة مكتب عملاقة مليئة بالحجرات..
نعرف كذلك أن ابن جاك يملك موهبة نفسية معينة ويملك حاسة تجعله يقرأ أفكار الآخرين، يطلق عليها اسم (التوهج)، ويكتشف أنه يشارك الطباخ الأسود المسنّ نفس الموهبة.
إن حياة الأسرة في الفندق رتيبة مملة، خاصة مع عذاب جاك بسبب شوقه إلى الخمر، كما نعرف أنه آذى ابنه بقسوة ذات مرة.. إن الأم تحمل الكثير من المخاوف لكنها تؤدي عملها بكفاءة.. شيلي دوفال بملامحها المليئة بالرعب ووجهها العظمي تؤدي الدور ببراعة، وقد أتعبها كوبريك كثيرًا ببحثه عن الكمال وجداول التصوير المرهقة، حتى إنها فقدت مساحات كبيرة من شعر رأسها بسبب توتر تصوير هذا الفيلم..
هناك أشياء عجيبة في هذا الفندق.. ثمة شيء ما مخيف.. وهناك غرفة يحوم الرعب حولها.. هذه أشياء يشعر بها الصبي أولاً.. جولات داني الطويلة في الفندق بعرببته تثير شعورًا أصيلاً بالرعب، وهي من أهم عناصر التوجس في الفيلم.. المتاهة وصوت العجلات والاندفاع والمستوى المنخفض الذي يشعرك بالعجز.. تم تصوير هذه اللقطات بكاميرا تم صنعها للفيلم خصيصًا، وانتشرت بعد ذلك هي "ستيديكام".. ولع كوبريك بالدقة جعله يضع لعربة الصبي عداد سرعة؛ كي يستعمل ذات السرعة في اللقطات المتتابعة ولا تختلف من كادر لآخر.
هناك قصة عن خادم بالفندق قتل أسرته، وهناك طفلتان تظهران لداني من حين لآخر ويرى جثتيهما. هناك متاهة من الأشجار يصعب الخروج منها، وقد بدأ الثلج يغطيها...
في الوقت ذاته يبدو واضحًا أن جاك ليس على ما يرام.. إنه منهمك في التأليف لكنه منعزل وعصبي.. أداء جاك نيكلسون في الفيلم صورة كاملة للجنون، ويبدو أنه أراد إعادة تقديم صورة القاتل المجنون الصارخة التي كانت تقدّم أيام السينما الصامتة.. يدخل البار الفارغ ليجري محادثات طويلة جدًا مع أشباح سقاة، ومع ذلك الساقي الذي ذبح أسرته.
ثم تأتي أشنع لحظات الفيلم عندما تدخل الزوجة مكتب زوجها لترى ما كتبه حتى اللحظة، فتكتشف أنه سود مئات الصفحات بعبارة: "الكثير من العمل بلا راحة.. يجعل جاك صبيًا غبيًا".
هنا تدرك أن زوجها مجنون.. ببساطة مجنون.. تأمّل عينيها وهي تكتشف هذا الكشف المروع..
تتصاعد الأحداث مع تزايد جنون جاك. هناك مشهد السلم الشهير وهو يتقدم نحو زوجته وقد بدأ يتعامل ويتصرف كمذءوب.. لا نعرف هل جنّ أم إن مسًا شيطانيًا أصابه.. تم تصوير هذا المشهد عشرات المرات بسبب وسواس الإتقان الذي يعاني منه كوبريك..
وتضطر الزوجة لسجن زوجها الذي لم تعد تعرف من هو حقًا.. هنا نتساءل بلا توقف: هل هناك أشباح في الفندق حقًا؟ أم إن عقل جاك المريض أوجدها؟ هذا نموذج للراوي الذي لا يوثق فيه، والذي قد يكون يخدعنا بما يحكيه..
والآن يقتحم جاك الغرفة على زوجته مهشمًا الباب بالبلطة، ويطل من الفتحة مرددًا في مرح:
ـ "هو ذا جوني!"
أثناء التصوير هشّم نيكلسون الباب بسهولة؛ لأنه كان يعمل في المطافئ سابقًا، وهكذا تم استبدال 117 بابًا للوصول للقطة التي أرادها كوبريك المجنون..
وفي النهاية تدور مطاردة مرعبة.. جاك يطارد ابنه داني بالبلطة ليذبحه، والزوجة تائهة بين ابنها وزوجها الذي جنّ تمامًا.. إن مشهد جاك نيكلسون وهو يركض في المتاهة وسط الثلج يذكرك فورًا بالمينوتور في المتاهة الكريتانية.. ونهايته مفجعة وقاسية فعلاً لكنك تشعر أنها الحل الوحيد..
تم تصوير هذه المشاهد المبهرة في الثلج فعلاً، ولك أن تتصور أن حامل الكاميرا الستيديكام راح يطارد جاك نيكلسون والصبي حاملاً الكاميرا الثقيلة، حتى اضطروا لوضع قناع أكسجين على وجهه حتى يجد هواء يتنفسه أثناء التصوير.. في الرواية تشعر بحزن من أجل جاك الذي فقد حياته بسبب مسّ شيطاني، أما في الفيلم فأنت راضٍ عن موته.. فهو شيطان..
على أن الفيلم يحمل لنا مفاجأة أخيرة سوف تجعلك عاجزًا عن النوم لمدة أسبوع.. السبب هو كثرة الأسئلة التي ستملأ رأسك، ولن تصل لجواب مريح أبدًا..
التوهّج عمل فني مبهر رائع الجمال، وهو قطعة من السينما الخالصة.. ترك أثرًا في كل فيلم رعب جاء من بعده.. وهو يؤكد قاعدة لا تفشل أبدًا: ستانلي كوبريك عبقري لم يوجد مثله. - DirectorIngmar BergmanStarsMax von SydowGunnar BjörnstrandBengt EkerotA knight returning to Sweden after the Crusades seeks answers about life, death, and the existence of God as he plays chess against the Grim Reaper during the Black Plague.لست ناقدًا سينمائيًّا؛ لكني أعرف جيّدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أُفكّر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
"الحب هو الطاعون الأكثر سوادًا!"
لكل فيلم شهير مشهد أيقوني لا يسهل نسيانه، ولسوف تجد هذه الصورة في كل مقال عن إنجمار برجمان أو عن فيلم "الختم السابع - 1957". صورة البحر متلاطم الأمواج والجو المكفهر المنذر بالويل، بينما على الشط يجلس الفارس يلعب الشطرنج مع الموت.. مباراة سوف تحدد نهايتها حياة الفارس أو هلاكه.
المخرج السويدي الكبير إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة في العالم، وقد ترك بصماته لدى مخرجين كثيرين من أشهرهم الأمريكي وودي ألين.. إنها أفلام ذات ياقة عالية وعوينات سميكة وصعبة غالبًا.. في الوقت ذاته هي تتحدَّث عن مجتمع حل مشكلاته فلم تبقَ له إلا الحيرة الميتافيزيقية وأسئلة الوجود والعدم. لبرجمان عدة أفلام شهيرة؛ نذكر منها: "اللدغة"، و"وجهًا لوجه"، و"فاني وألكساندر"، و"اللمسة"، و"بيضة الثعبان". وأعترف أنني لا أهوى أفلامه، لكني أحببت "الختم السابع" بشدة، وعرفت منه أن هذا الرجل عبقري فعلاً. أذكر أن فيلم "وجهًا لوجه" عُرِض في مصر في الثمانينيات، واشْتُهر لدى الجمهور المصري بأنه يحوي "مناظر"، لذا دخله كثيرون؛ حيث يبدأ الفيلم بمشهد عار قصير، وبعدها يدخل في الحيرة الميتافيزيقية إياها لمدة ساعتين تقريبًا، فانطلقت عبارات السباب من كل أرجاء السينما على من يدخل فيلمًا لبيرجمان أن يتوقّع ما سيراه.
المخرج السويدي إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة
المخرج السويدي إنجمار برجمان من أهم المخرجين الذين يُخاطبون الطبقة المثقفة
في العام 1957 قدّم برجمان فيلم "الختم السابع" كما قلنا.. كان هو صاحب القصة كذلك، وهي عن مسرحية قديمة له، ومن الطريف أن هذا سابع فيلم يُخرِجه، مع تصوير رائع من جونار فيشر، وأداء رائع من ماكس فون سيدوف وبيبي أندرسون ونيلز بوب.
استوحى الفيلم من سفر الرؤيا في العهد الجديد، والآية التي تقول: "وَلَمَّا فَكَّ الْحَمَلُ الْخَتْمَ السَّابِعَ سَادَ السَّمَاءَ سُكُوتٌ نَحْوَ نِصْفِ سَاعَةٍ، وَرَأَيْتُ الْمَلاَئِكَةَ السَّبْعَةَ الْوَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَقَدْ أُعْطُوا سَبْعَةَ أَبْوَاقٍ".
يُناقش الفيلم قضية بيرجمان مع الإيمان بالله؛ فهو يشعر بحاجته إلى أن يرى رؤيا مكتملة واضحة تعينه على الإيمان، ويشعر أن النصوص الدينية غامضة أكثر مما يريحه.. يقول في جزء من الفيلم على لسان البطل:
ـ "الإيمان اختبار قاسٍ.. إنه كأن تعشق شخصًا لا تراه..".
إنه القرن الرابع عشر..
وباء الطاعون يجتاح أوروبا..
الموت في كل مكان..
الفارس الشجاع ماكس فون سيدوف يرتحل، ما زال شابًا قويًا يختلف كثيرًا عن الأب طارد الأرواح الشريرة الذي سنراه في الفيلم الذي سيحمل ذات الاسم، لكن النقاد لمحوا فيه ظلالاً كثيرة من دون كيشوت.. دون كيشوت أكثر قسوة وجمودًا..
إنه عائد من الحروب الصليبية مع تابعه، ليجد أن الطاعون يجتاح السويد.. في اللحظات الأولى من الفيلم يقابل الموت الذي يلبس مثلGrim Reaper الذي نعرفه، ويتحدّاه الموت للعب مباراة شطرنج، سوف يظلّ الفارس حيًا ما دامت اللعبة مستمرّة..
شاهد هذا المشهد الكلاسيكي هنا
بالنسبة لمن يرى المشهد من الناس، يخيل لهم أن الفارس يلعب مع نفسه.
في الطريق للقلعة نقابل فِرقة من الممثلين الجوالين، ويذهب الفارس وتابعه إلى كنيسة عملاقة بها لوحة عملاقة تمثّل رقصة الموت مع ضحاياه، ويتجه الفارس للمحراب ليعترف لكاهن لا يراه بأنه قرّر لعب الشطرنج مع الموت، ويخبره بخطته المقبلة.. ثم يكتشف أن هذا ليس كاهنًا ولكنه الموت نفسه..
في قرية أخرى ينقذ الفارس وتابعه فتاة من الاغتصاب على يد سارق موتى، ويقابلان رافال الذي أقنع فارسنا بالانضمام للحروب الصليبية.. نرى كذلك حرق ساحرة؛ لأنهم يتهمونها بأنها سبب الوباء.
تنضمّ الفتاة للفارس وتابعه، ويمضي الركب عبر القرى التي دمّرها الطاعون؛ حيث تتناثر الجثث في كل صوب، وحيث تؤدّي الفرقة التمثيلية أدوارها أمام القرويين في مَشاهد عبثية.
هنا نرى على شجرة ذلك الممثّل الذي قرّر أن يمضي الليلة محتميًا فوقها، فيأتي الموت ويبدأ في قطعها.. برغم أن الممثّل يطالب بمعاملته معاملة خاصة لأنه ممثل.
يدعو الفارس الممثلين إلى قلعته للاحتماء من الطاعون، وفي مشاهد تذكرنا كثيرًا بـ"قناع الموت الأحمر" تحفة إدجار آلان بو.
يسقط الفارس قطع الشطرنج كي يشغل الموت بجمعها بينما تحاول أسرة الفنانين الفرار منه. هذا هو الشيء الوحيد الذي يحققه الفارس؛ فقد هرب الرجل وزوجته وطفلهما فعلاً. يعيد الموت رص القطع ثم يضع قطع الفارس في وضع يحتم الموت بعد نقلة واحدة، ويخبر الفارس أنه سيموت لدى لقائهما التالي.
يتناول سكان القلعة آخر عشاء لهم قبل أن يأتي الموت ليحصدهم، ويدعو الفارس الله أن يرحمهم.
هنا يرى أفراد الأسرة الهاربة رؤيا لما يواجهه سكان القلعة الذين يرقصون رقصة الموت.. يقتادهم الموت إلى الجبال لرقصة الموت الأخيرة.. بينما تنجو الأسرة التي ربما ترمز للعائلة المقدسة.
كلنا نخسر اللعبة مع الموت في النهاية.. المهم بالنسبة لنا كم من الوقت نستغرق قبل ذلك، وكيف نلعب.
إن أفكار الفيلم وجودية جدًا، ويقولون إنها تمت بقوة لعالم الفيلسوف كيركجارد، وفي جميع الأحوال هو فيلم مسلٍّ فعلاً ومتعة بصرية لا شك فيها.. ربما هو أقل أفلام بيرجمان تحذلقًا.
اعتمد تصوير الفيلم كثيرًا على دراسة لوحات القرون الوسطى؛ ومنها لوحة شهيرة لرجل يلعب الشطرنج مع هيكل عظمي. تحرر كثيرًا من الدقة التاريخية؛ لأن آخر الحملات الصليبية انتهت في القرن الثالث عشر بينما الطاعون ارتبط بالقرن الرابع عشر.
قابلت الأوساط الثقافية الفيلم بالكثير من الحماس، ولم يزل الفيلم يحتلّ مكانًا نفيسًا في المكتبة السينمائية. من ناحية الجوائز نال الفيلم جائزة النقاد في مهرجان كان، ووضع اسم برجمان على رأس قائمة المخرجين المثقفين الذين صنعوا عالمهم الخاص.
كان هذا فيلمًا مهمًا -وإن كان صعبًا- من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorAkira KurosawaStarsToshirô MifuneTakashi ShimuraKeiko TsushimaFarmers from a village exploited by bandits hire a veteran samurai for protection, who gathers six other samurai to join him.لست ناقدًا سينمائيًّا؛ لكني أعرف جيّدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أُفكّر طويلاً.. أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
لو كانت قيمة الأفلام تعتمد على عدد المرات التي قُدِّم فيها الفيلم برؤية أخرى، أو سُرق بدم بارد؛ فإن فيلم "الساموراي السبعة" يصير أعظم فيلم في التاريخ بلا جدال. إن عدد المعالجات التي قُدِّمت لهذه القصة المحظوظة بلغات عديدة لأمر يصعب حصره؛ في مصر عندنا "شمس الزناتي" والكل قد رآه ويعرف قصته بالتأكيد، كما أن فيلم "العظماء السبعة" الذي أخرجه جون ستيرجس لأشهر من نار على علم؛ إن ستيرجس قد أخذ مَشاهد بحذافيرها من الفيلم الياباني وقدَّمها في جو رعاة البقر.
للمخرج الياباني العبقري أكيرا كوروساوا عالمه الخاص الياباني جدًّا؛ حيث تشعر أن كل كادر نقش ياباني أنيق. وإن لم ينكر أنه تأثّر بشكسبير كثيرًا.. وقد قدّم هذا المبدع أفلامًا يعرفها الغرب جيّدًا ويعرف قيمتها؛ ومنها: "راشمون"، و"كاجيموشا"، و"ران"، و"أحلام"، و"الساموراي السبعة" إلخ... ومع كل فيلم يفتح الغرب فمه في ذهول، ويقتبس شيئًا من عالم هذا العبقري.. لو لم يوجد كيروساوا لما وُجِد: جورج لوكاس، وستيفن سبيلبرج، وروبرت ألتمان.
لا كرامة لنبي في وطنه، لهذا واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان، لدرجة أنه حاول الانتحار ونجا بمعجزة، وهكذا قام تلاميذه الأمريكان المليونيرات المخلصون -من عينة سبيلبرج ولوكاس- بمنحه شيكًا على بياض ليخرج أي حلم يخطر بباله، وكانت هذه عودته مع فيلم "كاجيموشا" أو "ظل المحارب" الذي سوف نتكلّم عنه في حلقة قادمة.
واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان لدرجة أنه حاول الانتحار
واجه كوروساوا مشكلات عديدة في تمويل أفلامه في اليابان لدرجة أنه حاول الانتحار
كما في كل فيلم له يُقدِّم كوروساوا كمؤلف أو مخرج ابتكارًا جديدًا، وفي هذا الفيلم مثلاً يُقدِّم أسلوب "تجميع الأبطال من أجل مهمة معينة"، ومنذ ذلك الحين رأينا "المهمة الإيطالية" و"الأحد عشر لدى أوشان".. إلخ.. كما أنه جرّب طريقة تصوير المشهد بأكثر من كاميرا من عدة زوايا لينتقي اللقطات الأفضل.. من المعروف أن السينما تستعمل كاميرا واحدة، لكن كوروساوا استنّ هذه السُّنة الجديدة. هناك طريقة الاعتماد الكامل على الشمس في الإضاءة التي تعلّمتها السينما الأمريكية منذ ذلك الحين. هناك كذلك تيمة "البطل غير الراغب في البطولة" و"فتاة من القرية تقع في حب أصغر الساموراي سنًّا".
عُرِض فيلم "الساموراي السبعة" عام 1954، وكل إنسان يعرف القصة تقريبًا.. القرية التي تخضع لسطو وإرهاب قطاع الطرق، ثم يُقرِّر سكانها أن يستعينوا بمجموعة من فرسان الساموراي الشجعان الأقوياء كي يُدافعوا عنها.
في البداية يُفكِّر اللصوص في مهاجمة القرية، ثم يُقرّرون تركها بعض الوقت لتستريح.. طريقة ترك البقرة بعد حلبها بعض الوقت، على أن يُهاجموها بعد الحصاد.
عندما يعرف سكان القرية هذا، يُقرّرون أن عليهم أن يُدافعوا عن أنفسهم، لكن أَنَّى لهم ذلك وهم فلاحون لا يُجيدون فنون القتال؟
الحل الوحيد هو استئجار بعض الساموراي؛ وهم قوم مهنتهم القتال؛ مثل المماليك عندنا، لكن المشكلة هي أن أهل القرية لا يملكون مالاً يمنحونه للساموراي.. الحل الوحيد هو تقديم الطعام لهم كأجر، وينصحهم الزعيم بأن يجدوا الساموراي الجياع.
يذهب وفد من الفلاحين للمدينة بحثًا عن ساموراي، فيجدون واحدًا قويًّا اسمه كامبي، ويلحق به شاب اسمه كاتسوشيرو، ويبدأ كامبي في جمع مجموعة متباينة من الساموراي بطباع مختلفة تُذكّرنا بمن كان عادل إمام يجمعهم في "شمس الزناتي".. وبالطبع لا بد من أن يضم الجمع مهرجًا لا قيمة له، وهو سوف يُؤكّد قاعدة أن مَن تستهين به قد يكون هو الأخطر، وهكذا يصير الساموراي سبعة.
يصل الساموراي للقرية فينكمش القرويون خوفًا منهم؛ المشكلة هي أن الساموراي الذين لا قائد لهم مشهورون باغتصاب النساء، وهكذا يغلق كل الفلاحين أبوابهم على نسائهم.
تتوطد العلاقة ببطء بين سكان القرية والساموراي، ويُقدِّم أهل القرية الأرز للساموراي علامة على الحفاوة.
يتمّ التأهب للقتال والحصار القادم.. هنا نكتشف أن القرويين ليسوا جبناء؛ إنهم يُحاربون حربًا عاتية مع الفقر والحاجة لإطعام أُسرهم والخوف من الغد. والآن يُحطّم الفلاحون حاجز الخوف ويتعلّمون القتال.
يحدث شدّ وجذب وسوء فهم لا يتوّقف
يقوم الساموراي بغارة ناجحة على معسكر اللصوص، وينجحون في قتل الكثيرين، لكنهم يفقدون واحدًا منهم. ويُهاجم اللصوص القرية ليكتشفوا في دهشة أن هناك تحصينات، وأن القرويين استعانوا بخدمات الساموراي.
تدور معارك شرسة، وينجح الساموراي في اتّباع تاكتيك حربي يجعل كل لص يدخل القرية وحده ليقع في كمين، لكن المعركة كانت عنيفة حقًا. وفي النهاية لا يبقى من الساموراي سوى ثلاثة، ويموت قائد اللصوص.
يراقب الساموراي الفلاحين السعداء وهم يبدأون الحصاد، لكنهم لا يشعرون بالسعادة بعد مَن فقدوه. لقد هزمنا مرة أخرى وفاز الفلاحون.
آخر لقطة في الفيلم تظهر القبر الذي ابتلع الساموراي الذين ماتوا في الدفاع عن القرية.. إن مَن يعيش بالسيف يموت به، ولا يبقى في النهاية إلا مَن بذر بذرة الحياة في قلب الأرض.
الفيلم قطعة من نسيج ناعم فائق الحساسية، مع تصوير ساحر بالأبيض والأسود لأساكازو ناكاي. أنتجت الفيلم استوديوهات توهو اليابانية الشهيرة؛ وهي التي نعرفها نحن بأفلام جودزيلا، وقد أوقف الاستوديو التصوير مرتين؛ لأن الميزانية تجاوزت الحدود، لكن كوروساوا في كل مرة كان يذهب لصيد السمك عالِمًا أن الاستوديو تورّط بما يكفي في الإنتاج، ولا بد أن يستمر فيه للنهاية.
في النهاية حصد الفيلم عددًا هائلاً من الجوائز، وغزا الغرب بالمعنى الحرفي للكلمة. العبقري الياباني أكيرا كوروساوا يكشف للعالَم مَن هم اليابانيون حقًا. - DirectorRidley ScottStarsSigourney WeaverTom SkerrittJohn HurtThe crew of a commercial spacecraft encounters a deadly lifeform after investigating a mysterious transmission of unknown origin.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
عندما يأتي المخرج السينمائي من عالم الإعلانات؛ فهو يملك سيطرة كاملة على أدواته السينمائية، ويقدر على أن يقول ما يريد بشكل بليغ، كما أنه قادر على أن يستولي على المُشاهد بسهولة تامة، وقد كان ريدلي سكوت مخرج إعلانات مرموقا قبل أن يدخل عالم السينما الروائية؛ حيث قدّم سلسلة أفلام ناجحة تذكر أنت منها: "المصارع" و"مملكة السماء" و"سقوط الصقر الأسود" و"هانيبال" و"برومثيوس" و"بليد رانر".. الفيلم الأخير يعتبره كثيرون أهم فيلم خيال علمي على الإطلاق بعد "2001 أوديسا الفضاء"، وبالتأكيد لنا لقاء معه إن شاء الله.
لكن الناس عرفت اسم ريدلي سكوت أوّل مرة واهتمت به جدا مع فيلم "الغريب" الذي قدّمه عام 1979.. هذا الفيلم قد أوجد عالمه الخاص من التأثيرات وطرق التصوير والإضاءة، ولا شك أنه ترك آثارا عميقة في أفلام الخيال العلمي التالية؛ خاصة "ماتريكس" مع سلسلة كاملة من استطرادات فيلم "الغريب" وبالذات بعد ما استكمل السلسلة جيمس كاميرون.. كما أنه مصدر الفيلم السخيف "الغريب ضد المفترس" الذي حاول جمع فيلمَي رعب في فيلم واحد، لكنه فشل.
هناك نمط سفينة الفضاء.. للمرة الأولى تبدو سفينة الفضاء متاهة مظلمة يمكن أن يقع فيها أي شيء، وفي الوقت نفسه هي بالية ومستهلكة ومكسوّة بالشحم.. كانت العادة أن تكون سفن الفضاء باردة برّاقة صناعية، أما هنا فسفينة الفضاء تُذكّرك بتريللا تعمل بين القاهرة والسويس مثلا.. إن قوة ريدلي سكوت البصرية لا يمكن الشك فيها؛ فهو لا يرى أي شيء كما نراه نحن؛ مثلا لا يستطيع أحد نسيان السفينة الفضائية المهجورة الموحشة المتروكة في كوكب بعيد، بينما يقوم ثلاثة روّاد باستكشافها وهم ضئيلو الحجم كالنمل في عالم شديد الغرابة ومعاد تماما.. هناك كذلك الوحش الفاتن الذي يظهر في هذا الفيلم.. هو شيء قريب من صرصور عملاق أو حشرة مخيفة هائلة؛ هذا الشكل ظهر كلوحة في ألبوم الفنان السريالي السويسري جايجر، وقد أعجب به ريدلي سكوت جدا فاشتراه منه، وكلّفه بعديد من التصميمات الأخرى، ثم قام بتصميم الوحش نفسه خطوة خطوة مع صانع المؤثرات الخاصة الساحر ستان ونستون.. لم يستخدم الكمبيوتر ومؤثراته الخاصة اللعينة في هذا الفيلم.. المؤثرات كلها ميكانيكية.. إن مؤثرات الكمبيوتر تثير جنوني، فمهما بلغت براعة المصممين فأنت تشعر بأن الأجسام خفيفة بلا وزن، وتقفز في وجهك.. لقد سقطت أفلام كاملة بسبب رداءة الكمبيوتر مثل "المومياء تعود" عندهم و"الكافير" عندنا، أما هنا فالوحش ثقيل ومرعب وله أنفاس ثقيلة مشبعة ببخار الماء، وله حضور مفزع.
الناس عرفت اسم ريدلي سكوت واهتمت به مع فيلم "الغريب"
الناس عرفت اسم ريدلي سكوت واهتمت به مع فيلم "الغريب"
هناك كذلك نمط البطلة سيجورني ويفرّ المسترجلة الخالية من الأنوثة تماما وهذا جزء مهم من سحرها.. هكذا صار من العسير أن تتخيّل السلسلة من دونها.. فيما بعد قامت ببطولة فيلم "الغرباء" مع الممثلة وينونا رايدر.. قالت لها وينونا إنها كانت في التاسعة عندما رأت فيلم "الغريب" الأول وأصيبت بالهلع، هنا قالت سيجورني ويفر في غيظ: "أهلك يستحقون السجن.. كيف يسمحون لطفلة في التاسعة برؤية فيلم كهذا؟".
القصة ليست أصيلة تماما، كتبها دان أوبانون وكتب السيناريو والتر هيل.. خبراء أفلام الخيال العلمي وجدوا أنها مشتقة من أفلام عديدة سابقة؛ منها "المدمر الأسود" و"هو: الرعب من الفضاء الخارجي".. المهم هو ما صنعه سكوت بهذه العجينة، قال كاتب السيناريو فيما بعد: "لم أسرق فيلم "الغريب" من أي واحد.. سرقتها من كل واحد".
بالفعل لا توجد ثغرات في هذا الفيلم تقريبا، كما أنه متعة بصرية لا شك فيها.
عندما يفيق رواد الفضاء الغارقون في سبات صناعي، نعرف أن السفينة العتيقة "نوسترومو" -وهو اسم البحار لدى جوزيف كونراد في قصصه- تستكشف حدود المجرة بناء على نداء استغاثة، وتهبط على كوكب غريب مخيف، به سفينة فضاء ساقطة مهجورة.. يعرفون فيما بعد أن ما سمعوه لم يكن استغاثة لكنه تحذير.
الحقيقة أن شيئا من السفينة المهجورة يتسلل إلى سفينة "نوسترومو"، ويلتصق بوجه أحد الرواد، وسوف نستغرق وقتا طويلا جدا كي نرى ذلك الكائن الذي تسلل والذي يطلق عليه الفيلم اسم "الغريب".. نعرف كذلك أنه يمارس حياته كطفيل ينمو داخل أحد أفراد الطاقم ثم يتركه ويهاجم آخر، وهكذا...
هذا تصميم فائق البراعة من ستان ونستون عميد المؤثرات الميكانيكية، والذي اعتمد كما قلنا على رسوم الفنان السويسري جايجر.
هنا تبدأ لعبة الكائن الذي يجول في السفينة ويمكنه أن يدمّر أشكال الحياة الأخرى ويتغذّى عليها.. في مشهد تم حذفه من الفيلم كان عضوا الطاقم دالاس وبريت حيين حتى النهاية داخل شرنقة؛ أي أن الكائن كان يعدهما لغذاء أولاده حديثي الفقس.
هذا الجو المتوجس الهتشكوكي يعتصر أعصابك حتى النهاية، ويبتكر ريدلي سكوت تقنيات جديدة تماما، مثل تقدّم الوحش نحو أحد أفراد الطاقم على إحداثيات الشاشة، كأنك ترى لعبة فيديو مخيفة.. فقط أنت تعرف أنها حقيقية تماما.
يتسلّل الوحش لأفراد الطاقم واحدا تلو الآخر.. هناك مشهد رجل الطاقم الذي ينفجر صدره ليخرج منه الكائن، وهو مشهد شهير جدا في سينما الرعب، وقد تمّ استنساخه مرارا بعد ذلك.
هناك كذلك الفوز بواحد تلو آخر من الطاقم؛ فلا تنجو إلا الضابطة ريبلي، وهي التي تستطيع تدمير الغريب في النهاية.
شاهد الرأس المقطوع الذي بَقِي بعد تفحّم الجسد بقاذف اللهب، وهو رأس آش.. واحد من الطاقم، وفيما بعد سنكتشف أنه رأس روبوت كما سنعرف.
شاهد تريللر الفيلم هنا
تذكّر كذلك أن فيلم "برومثيوس" -لنفس المخرج- يعرض الآن، وهو المقدّمة السابقة prequel لفيلم "الغريب"؛ بمعنى أنه يرينا كيف بدأ كل شيء.. كان على المشاهد أن ينتظر نحو 25 عاما حتى يعرف. - DirectorBryan SingerStarsKevin SpaceyGabriel ByrneChazz PalminteriThe sole survivor of a pier shoot-out tells the story of how a notorious criminal influenced the events that began with five criminals meeting in a seemingly random police lineup.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
خمسة متهمين.. طابور عرض واحد.. لا مصادفات.. هذا هو الـTagline الشهير الخاص بفيلم "المشتبه فيهم المعتادون"، وهي عبارة ذكية تستعمل قاعدة "الثلاثة" الشكسبيرية التي تنجح دائما.. بصرف النظر عن هذه العبارة؛ فالفيلم له عشّاق كثيرون، ولا شك أنني أعتبره فيلما حديثا جدا، لكن رسائل القرّاء طالبتني بالكلام عنه مرارا، وهذا يُشبه ما حدث مع فيلم "فورست جام".. كنت أريد أن يقتصر هذا الباب على الأفلام القديمة أو المجهولة، لكني كذلك مطالَب باحترام طلبات القرّاء.
هذا الفيلم الجميل قدّمه المخرج الشاب برايان سنجر عام 1995 كان وقتها في سن الثلاثين، وهو نفس المخرج الذي قدّم لنا: "فالكيري" و"تلميذ نجيب" و"الرجال إكس" و"سوبرمان يعود"، ولي تحفّظات معينة عليه لكن أفلامه ممتعة بالتأكيد.
صار للفيلم أتباع كثيرون، وأعتقد أنه من أوائل الأفلام التي استخدمت أسلوب منحنى النهاية المحيّر Twist، كما أن الجدل ما زال مستمرا بين مشاهدين كثيرين في محاولة فهمه، وهناك جدل حول الأفضل تمثيلا، لكن الأكاديمية اتخذت قرارها بالفعل وأعطت أوسكار أفضل ممثّل مساعد لكيفين سبيسي، بما أنه من استوديو الممثل فقد أتعبه الدور جدا وقد قام بلصق أصابع يده اليسرى معا، ونشر كعب حذائه ليوحي بالإعاقة.
قدم هذا الفيلم المخرج الشاب برايان سنجر
قدم هذا الفيلم المخرج الشاب برايان سنجر
"أعظم خدعة فعلها الشيطان هو أنه أقنع العالم أنه غير موجود!" (بودلير)
كتب الفيلم كرستوفر ماكواري، وقام ببطولته مجموعة ممتازة من الأبطال في مباراة أداء مذهلة.. من ضمن الأسئلة الشائعة بصدد الفيلم أن تحاول تذكر ترتيب الأبطال من اليسار لليمين في بوستر الفيلم؛ المشتبه بهم بالترتيب من اليسار لليمين هم: كيفين بولاك ثم ستيفن بولدوين ثم بينتشيو دل تورو ثم جابرييل بايرن ثم كيفين سبيسي.
إن الفيلم يدور حول استجواب لص قليل الشأن مصاب بشلل مخي (كيفين سبيسي) نجا من مذبحة وقعت على سفينة في ميناء بلوس أنجيلوس؛ مذبحة قتلت 27 واحدا من رجال العصابات والمهربين، يجدهم رجال الشرطة محترقين. هناك حبكة شديدة التعقيد، وهناك لص يشبه الآباء الروحيين للمافيا اسمه "قيصر زوسي"، لا يراه أحد لكن من الجلي أنه مسئول عن كل هذا.. إنه من أصل تركي.
عندما سألوا الممثل جابرييل بايرن في مؤتمر صحفي في كان: من هو قيصر زوسي؟ قال للصحفيين: منذ بدأ التصوير وحتى هذه اللحظة كنت أحسبني هو!! هذا ليس مزاحا.. فقد أقنع المخرج كل ممثل سرا أنه هو قيصر زوسي.
إن كيفين سبيسي يحكي القصة لرجال مكتب الاستخبارات الفيدرالي، وهذه القصة فلاش باك طويل هو الفيلم نفسه، والقصة بدأت قبل هذا بشهر ونصف الشهر.
نعود بالزمن إلى العرض القانوني الذي يرتبه رجال الشرطة لخمسة رجال عصابات متهمين بالسطو على شاحنة.. الرجال أبرياء، لذا يصمّمون على تنفيذ عملية انتقام حقيقية ضد الشرطة. هذا المشهد شهير جدا ولا يمكنك أن تعرف بالضبط مقدار ما هو حقيقي منه وما هو تمثيل. الحقيقة أن أداءهم طبيعي لدرجة مدهشة، ويقال إن سبب ضحكهم هو أن دل تورو لم يستطِع التحكم في غازات بطنه فانفجر الباقون ضحكا.
السطو تمّ على مجموعة من الضباط الفاسدين الذين يقومون بنقل المهربين، ويطلقون على هذا "أفضل خدمة تاكسي" في العالم.
يتورّط اللصوص بعد هذا في عملية سطو على محل مجوهرات.. يتبيّن أن المحل يتعامل مع الهيرويين، ثم يتورطون في الهجوم على سفينة تنقل شحنة من الكوكايين. هناك حشد ممتاز من اللصوص بين أرجنتينيين يبيعون ومجريين يشترون.. عليهم التعامل مع غابة الوحوش هذه.
أثناء التحقيق يحكي كيفين سبيسي لرجال الشرطة من هو قيصر زوسي.. التركي الغامض المتوحش الذي يبدو أكبر من الحياة نفسها.
إنه قتل أفراد عصابة منافسة اغتصبت زوجته وتسبّبت في قتل أطفاله.. أولا قتل زوجته وأطفاله ثم قتل المجرمين، ثم توارى في عالم الجريمة السفلي كشبح. كل رجل من المشتبه فيهم اقترف شيئا أغضب زوسي، وزوسي لا يغفر بسهولة ولا ينسى. لذا كان انتقامه مريعا.
مع السرد تتكامل الصورة أكثر، لكننا نشك بقوة في أن قيصر زوسي له وجود أصلا.. لربما كان من نسج خيال الشاهد.. المفاجأة الأكبر تتضح في مشهد النهاية ولا يمكن أن أحكيها حتى لا أفسد الفيلم نهائيا عليك لو لم تره.
لكنك تسمع عبارة بودلير السابقة "أعظم خدعة للشيطان.. إلخ"، مع صوت الشاهد يقول: "وهكذا اختفى!".
هناك تلميح خافت جدا للحقيقة؛ لأن المشتبه فيه قبل رحيله يسترد حاجياته وهي ساعة وقداحة ذهبيتان، ونحن رأينا زوسي يستعملهما قبل هذا في الفيلم وإن كنا لم نرَ وجهه. تلميح آخر مهم هو أن اسم البطل في الإنجليزية له نفس معنى "زوسي" في التركية؛ أي "الثرثار".
وُلِدت فكرة الفيلم من مقال عن الجاسوسية في إحدى المجلات، وكان يحمل هذا العنوان الغريب "المشتبه فيهم المعتادون"، ثم ولدت الصورة البصرية للعرض القانوني في ذهن برايان سنجر.. لم تكن هناك أي فكرة عن موضوع الفيلم بعد، لكنّ هناك خيوطا من عدة جرائم شهيرة تم جمعها.
سوف نجد في الفيلم لعبا واضحا على حيلة روائية شهيرة هي "الراوي الذي لا يوثق فيه"، ولهذا رأى سينجر أن فيلمه قريب جدا في تركيبه من فيلم راشمون للعبقري الياباني "أكيرا كوروساوا" حيث يحكي كل واحد القصة بطريقته.
شاهد تريللر الفيلم هنا
هذا عمل مشوّق يتمتّع بسيناريو محكم وأداء ممتاز من الممثلين.. لا عيب فيه سوى أنه جديد جدا بالنسبة لي؛ لهذا لا أحتفظ به في الحافظة الزرقاء.. ربما على القرص الصلب لكني لست متأكدا. - DirectorOrson WellesStarsOrson WellesJoseph CottenDorothy ComingoreFollowing the death of publishing tycoon Charles Foster Kane, reporters scramble to uncover the meaning of his final utterance: 'Rosebud.'لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
لدي مكتبة سينمائية ضخمة بها كتب عديدة تتكلم عن تقنيات السينما وحرفياتها، ومنذ بدأتُ القراءة في هذه الكتب كان اسم فيلم "المواطن كين" (1941) يتكرر نموذجًا للتقنيات الثورية في كل شيء تقريبًا.. يبدو أن هذا الفيلم مرجع للسينمائيين في فنون السيناريو والتصوير والقطع والمزج والمسح، والانتقال من كادر لكادر واستخدام الإضاءة، والإفراط في استعمال البؤرة العميقة... إلخ. الأغرب ما عرفته فيما بعد أن مخرج الفيلم وبطله الفنان الظاهرة أورسون ويلز كان في سنّ صغيرة جدًا عندما قدّم هذا الفيلم، ولم يكن يملك أية خبرة سينمائية لذا تظاهر بأنه يعرف، وعلّم نفسه السينما أثناء العمل! أي أن معظم هذه التقنيات من ابتكاره، ولم تكن معروفة قبل ذلك.. هذا نموذج لشخص جاء من الخارج، فلم يعرف تقاليد الوسط الذي جاء له، والتي يكررها الجميع جيلاً بعد جيل.. فكّر خارج القوقعة فلم يقلّد أحدًا، وصار كل ما قدّمه جديدًا وذا أهمية مرجعية في تاريخ السينما.
في أوائل الثمانينيات عرض الفيلم "المواطن كين" في برنامج نادي السينما في التليفزيون أيام مجده، فعرفت على الفور أنه عالم خاص جدًا. ومن حين لآخر تصدر إحدى المجلات أو الهيئات حصرًا لأفضل 200 أو 250 فيلمًا في التاريخ.. هناك فرصة لا بأس بها أن يكون هو رقم واحد في كثير من هذه القوائم، حاليًا هو رقم 37 ضمن 250 فيلمًا في موقع IMDB. الناقد الأمريكي روجر إيبرت كتب بصراحة: الأمر منتهٍ.. المواطن كين هو أعظم فيلم في تاريخ السينما! كما أن ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما.
صار العالم كله يعرف اسم أورسون ويلز عام 1938 عن طريق المذياع، ومعظمكم يعرف قصة تمثيلية حرب العوالم الشهيرة.. التمثيلية الإذاعية التي أخرجها ويلز، والتي بدأ تقديمها في الولايات المتحدة، وابتكر طريقة عجيبة لأول حلقة منها: الإرسال ينقطع لتغطية هبوط طبق طائر في مزرعة.. صوت المراسل المذعور يصف لنا الأحداث، ثم ينفتح الطبق الطائر ونسمع مؤثرات دقيقة جدًا، ويبدأ غزو فضائي.. كل هذا بدأ كتغطية إعلامية على الهواء، مما أحدث ذعرًا في أمريكا كلها، وامتلأت الطرقات بالفارين من بيوتهم والسيارات.. لقد انفلت الوضع تمامًا، واضطر المذياع إلى أن يعلن مرارًا أن كل هذا تمثيل..
أورسون ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما
أورسون ويلز ينال غالبًا لقب أفضل مخرج في التاريخ في استفتاءات معاهد السينما
هكذا اتصلت هوليوود شركة RKO الباحثة عن الأسماء اللامعة بويلز الذي لا يفقه شيئًا في السينما، لكنه لم يخبرهم بهذا طبعًا. لقد نال وضعًا قلّما يحلم به شاب آخر هو أن بوسعه أن يفعل ما يريد كما يريد. فكّر أولاً في قصة "قلب الظلام" لكونراد، ثم قرر أن يعمل على سيناريو أعدّ خصيصًا للسينما، وكتبه بنفسه مع السيناريست هيرمان مانكفيتش، والأخير كاتب سيناريو عبقري لكنه سكير مما أدى لتحطيم مستقبله. استطاع ويلز بخياله القوي البكر أن يحفر اسمه بقوة في تاريخ السينما، لكن مشاكله وصراعاته مع الاستوديوهات في الأفلام التالية كلّفته الكثير من قوّته، ولم يستطع قط أن يقدّم عملاً له قوة المواطن كين حتى توفي عام 1985، وإن عرف العالم ملامحه القوية له أصل تتري ومواهبه العديدة كمدير مسرح وساحر ومخرج وممثل ممتاز ومذيع له صوت مميّز.
عندما قدّم ويلز فيلم المواطن كين، كان كل واحد يعرف أنه يتحدث عن عملاق الصحافة الأمريكي وليم راندولف هيرست، لكن لم يقل هذا بشكل رسمي طبعًا، وتظاهر الجميع بأنهم لا يفهمون.
للمرة الأولى تتخذ قصة الفيلم شكل تحقيق صحفي.. ومع اكتمال كل جزء من أجزاء التحقيق نعرف جانبًا آخر من حياة المواطن كين..
إن المواطن كين هو أحد أعمدة الاقتصاد الأمريكي، وإمبراطور الصحافة.. الرجل الذي يملك كل شيء، وبنى لنفسه مملكة خاصة اسمها زانادو فيها كل شيء حتى الأفيال والنمور! مات كين وحيدًا.. وكانت آخر كلمة قالها هي برعم الوردة rosebud.. فيما بعد لاحظت مجلة إمباير خطأ في هذا المشهد؛ لأن أحدًا لم يكن جواره على الإطلاق عندما لفظ هذا الاسم في الفيلم!
مشهد الوفاة يعجّ بالظلال والغموض، كما ينطق بتلك الحقيقة القاسية المثيرة للشفقة: مهما بلغ ثراؤنا ونفوذنا فنحن نموت وحيدين... تصوير جريج تولاند الأبيض والأسود جعل المشهد أقرب للكوابيس:
شاهد هذا المشهد المهيب مع مقدمة الفيلم هنا
الآن تجمع الصحف مخبريها، وتكلّفهم بالبحث في كل مكان وتحت كل حجر لمعرفة ما هو برعم الوردة هذا؟ هل هو اسم تدليل لعشيقة لا يعرفها أحد؟ هل هي مملكة جديدة؟
هكذا تدور التحقيقات طيلة الفيلم.. يقابل الصحفيون كل من تعامل كين، ومع الوقت نعرف جوانب مهمة من شخصيته وتاريخ صعوده...
مثلاً في جولة في ملفات المحاسب الخاص به يعرف الصحفي الكثير عن طفولة الرجل.. لقاء زوجته يخبرنا بحياته العاطفية.. يقابل الصحفي خادمه ومدير أعماله.. هنا نعرف القصة من عدة رواة، بعضهم ضعفت ذاكرته وبعضهم غير موثوق به، كما نعرف جزءًا كبيرًا من نشرات الأخبار السينمائية.. هذه طريقة لم تكن معروفة قط في ذلك الوقت. هناك أساليب لا حصر لها مثل مرور الزمن بسرعة على علاقة كين وزوجته التي تبدأ بالسعادة وتنتهي بالخلافات.. نحو خمسة عشر عامًا تمر أثناء الجلوس إلى مائدة الإفطار، فقط يكبر الاثنان وتتبدل ثيابهما والمحادثة مستمرة..
هكذا تتكون لدينا ببطء الصورة الكاملة.. طفولته الفقيرة التعسة.. حياته وصعوده في عالم الصحافة وشراء جريدة انكوايرر. خيانته لزوجته مع مطربة أوبرا.. ثم افتضاح هذه العلاقة وزواجه من عشيقته.. ثم كيف حاول أن يصنع منها نجمة أوبرا وفشل.. ثم عاملها بلا مبالاة وقسوة لدرجة أنها حاولت الانتحار..
شاهد مدرّب الأصوات الإيطالي يوشك على الجنون، هنا يذكرني بعبد السلام النابلسي جدًا
الفيلم يرسم لنا ببراعة شخصية متسلطة متشككة تحاول السيطرة على كل شيء، وتنتهي حياتها بعزلة كريهة فعلاً.
في النهاية يعلن الصحفي يأسه من معرفة كنه برعم الوردة ويرحل..
لكن الفيلم يحتفظ لنا بتفسير بسيط أخير.. نرى زحافة ثلج صغيرة مهملة يتم حرقها، وقد كتب عليها برعم الوردة. الزحافة التي كان يلعب بها في طفولته وتخلّصت منها أمه. لقد صار مليارديرًا وامتلك أمريكا كلها تقريبًا، لكنه ظل يشعر بعدم اكتمال؛ لأنه لم ينل الشيء الذي كان يحبه حقًا في طفولته.. طفولته عندما كان سعيدًا بلا شروط. وهذا نوع من تكرار تعبيرنا الشعبي: "اللي ما شبعش على طبلية أبوه مش هيشبع أبدًا".
شاهد النهاية هنا
عرف هيرست -ملك الصحافة الأمريكية- أن الفيلم يتكلم عنه، وقاد حربًا إعلامية عنيفة ضده، كما منع نشر أي خبر عنه في أية جريدة يملكها.. طبعًا كان يملك كل الجرائد تقريبًا.. وعرض مبالغ ضخمة على الشركة مقابل تدمير الفيلم دون عرضه. هكذا لاقى الفيلم حربًا حقيقية استمرت لعدة عقود.
عرفنا أن الفيلم كان ثورة فنية، لكنه لم يحقق نجاحًا تجاريًا يُذكر، وهذا جعل هوليوود أكثر تحفظًا مع ويلز بعد ذلك.. لم يعد هو الملك المتحكم في كل شيء، بل صار من حق الشركة أن تراقب المونتاج وتعدّل النهايات... إلخ. وقد ظهر هذا في فيلمه التالي آل أمبرسون العظماء، الذي لم يعد هو فيلمه على الإطلاق من كثرة التدخّل.
تميز الفيلم كما قلنا بابتكارات تقنية لا حصر لها، كما تميز بالبؤرة العميقة في التصوير، بحيث يظهر ما هو قريب وما هو بعيد عن الكاميرا بذات الوضوح. أحيانًا اقتضى هذا تعريض نفس الفيلم مرتين مرة للخلفية ومرة للمقدمة. باختصار كان كين طفلاً مزعجًا مصرّا على عمل كل شيء بطريقة متعبة غير التي استكان لها السينمائيون.
هذا فيلم آخر من الحافظة الزرقاء... - DirectorAlfred HitchcockStarsJames StewartGrace KellyWendell CoreyA wheelchair-bound photographer spies on his neighbors from his Greenwich Village courtyard apartment window and, despite the skepticism of his fashion-model girlfriend, becomes convinced one of them has committed murder.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
حتى لو لم تكن قد رأيت الفيلم الأصلي، فمن المؤكد أنك رأيت النسخة الحديثة منه، المنتَجة عام 2007، والتي كانت باسم Disturbia.
الفيلم الحديث من بطولة شيا لابوف، وهو فيلم ممتع متقن الصنع، لكن لا أحد يمكن أن يتفوق على هتشكوك أبدًا.
هذا الفيلم أوضحُ نموذج لطريقة هتشكوك وأستاذيته في خلق جو التشويق، كما أنه يحمل بقوةٍ بصماته: البراعة في الإخراج في مكان ضيق بطبعه.. إقحام المشاهد في الحدث.. البطلة الشقراء الأنيقة الثرية التي يعشق هتشكوك أن يضعها في الخطر كهواية خاصة لديه.. لا دماء ولا مشاهد قتل تقريبًا.. إن هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا!
هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا!
هتشكوك الذي تعج أفلامه بالجرائم قد قدم أقل قدر من الدماء بين المخرجين جميعًا!
في هذا الفيلم نتحول إلى متلصصين، ثم ندفع ثمن هذا التلصص كاملاً!
قدم هتشكوك الفيلم عام 1954 ومن السهل أن تراه في التليفزيون لأنه يُعرض كثيرًا جدًا. القصة كتبها جون مايكل هايز، عن قصة قصيرة لكاتب آخر اسمها "لابد أنها جريمة قتل".
يدور الفيلم حول مصور فوتوغرافي هو جيمس ستيوارت، الذي يكسر قدمه ويضطر إلى أن يقضي الوقت الممل في غرفته.. فلا يجد تسلية سوى الجلوس خلف النافذة ومراقبة الجيران..
في فيلم Disturbia يضطر البطل إلى ملازمة البيت لأن الشرطة ترغمه على ذلك، عن طريق قيد إلكتروني يحيط بقدمه.
إنه الصيف وكل الجيران يفتحون نوافذهم، هكذا يستطيع المصور -عن طريق البقاء في الظلام- أن يرى كل ما يحدث في بيوت الآخرين.. يساعده على ذلك أنه يمتلك عدسة زووم قوية جدًا تقرب له الأشياء.
شاهد هوايته في التلصص هنا
يتعرف على مجموعة الجيران التقليدية.. مشاجرات الأزواج.. الكلب الصغير اللطيف الذي تنزله صاحبته كل صباح ليلعب قليلاً.. ثم التاجر المتجول غريب الأطوار الذي يعيش مع زوجته المقعدة.
شاهد هذا الجزء هنا
تتردد على المصور في محبسه خطيبته الرقيقة (جريس كيلي) -عندما كانت ممثلة قبل أن تصير أميرة موناكو- كما تسليه قليلاً مدبرة البيت العجوز الثرثارة، لكنه يوشك على الجنون من فرط الملل طبعًا.
تبدأ الشكوك لدى المصور عندما يلاحظ الجولات الليلية المتكررة للتاجر الذي يحمل حقيبة كبيرة يخرج بها في كل مرة. يلاحظ كذلك أن زوجته اختفت.. وأنه ينظف مجموعة من السكاكين الضخمة.
يحكي ظنونه لخطيبته ولصديقه مفتش الشرطة، لكن صديقه لا يجد ما يريب في هذه القصة.
شاهده هنا وهو يحكي شكوكه لخطيبته وقد بدأ الأمر يسترعي اهتمامها
لا يبقى الحي سعيدًا للأبد.. إن الجيران يكتشفون جثة الكلب اللطيف في الحديقة.. تصرخ صاحبة الكلب فيبرز كل الجيران من نوافذهم ما عدا ذلك التاجر الغامض.. لكن السيجار الذي يدخنه يتوهج في ظلام غرفته بما يعني أنه الوحيد الذي يعرف ما حدث للكلب.
نظرية المصور تتكون ببطء.. التاجر قتل زوجته، ومزق جثتها، ودفنها على أجزاء في الحديقة. الكلب الصغير عرف أكثر مما ينبغي وهو ينبش في أحواض الزهور، من ثم كان يجب أن يموت.
بما أنه عاجز عن الحركة؛ فإنه يكلف خطيبته بأن تقوم من أجله بمهمة خطرة.. تضع تحت باب التاجر مذكرة تتهمه فيها بقتل زوجته، وعليه أن يراقب رد فعل الرجل عندما يرى المذكرة.. هكذا يعتصر هتشكوك كل توتر المشاهدين وخوفهم وهم يرون التاجر الفظ يقترب من باب الشقة، بينما الفتاة الرقيقة توشك على وضع المذكرة من الناحية الأخرى.. هذا هو أسلوب هتشكوك المميز إذ يجعل المشاهدين يصرخون: انتبهي!.. لا تفعلي!..
تنجو الفتاة بمعجزة.. وهنا ينتقل المصور إلى الخطوة التالية..
تقوم الفتاة ومدبرة المنزل بتفتيش أحواض الزهور بحثًا عما وجده الكلب. لضمان ألا يلاحظ التاجر شيئًا يتصل به المصور ويتظاهر بأنه يريد ابتزازه، ويحدد له موعدًا للقاء في بار. تنتهز الفتاة فرصة رحيل التاجر لتتسلل إلى شقته، لكنه يعود في وقت غير مناسب ويقبض عليها..
شاهد هذا المشهد هنا
يتصل المصور بالشرطة لينقذوا الفتاة قبل أن يفتك بها التاجر، وبالفعل تنجو بمعجزة ما، لكن ليس قبل أن يلاحظ التاجر أنها تعطي إشارات خفية من وراء ظهرها وتلوح بخاتم الزوجة الذي وجدته.. هناك من يتصل بها.. يرفع عينيه فيرى المصور هناك في شقته يراقب كل شيء خلف النافذة.. لقد فهم !
شاهد هذا المشهد هنا
هكذا تذهب الفتاة مع الشرطة بتهمة التسلل لشقة ليست شقتها، وتذهب مدبرة البيت لتدفع لها الكفالة. هكذا يجد المصور نفسه وحيدًا في البيت.. وطبعًا لا يستطيع الحركة لأنه حبيس المقعد المتحرك.. في هذه اللحظة يقتحم التاجر القاتل الشقة وقد عرف من أين يأتي التهديد..
لقد جاء الانتقام من المصور بسبب تلصصه. والمثير أننا نشعر بأن هذا عقابنا أيضًا.. إن عملية مشاهدة الأفلام في حد ذاتها جزء من عملية التلصص على ما يحدث للآخرين.. شاشة السينما هي نافذتنا الخلفية التي نرى من خلالها كل شيء، لكنها تجعلنا في خطر داهم.
هنا أتركك لتكمل الفيلم بنفسك فهذا هو مشهد الذروة..
كما قلنا كان الفيلم درسًا في بناء التشويق والتوتر، وكل هذا بأناقة وبأقل قدر من الدماء. كل ديكور المنطقة السكنية تم بناؤه خصيصًا، وكان لذلك من أضخم الديكورات التي قامت شركة Paramount ببنائها، كما أنه استعمل إضاءة عالية جدًا ليوحي بالشمس الساطعة.
لاقى الفيلم آراءً إيجابية متحمسة من الجمهور والنقاد معًا، بحيث صار من العسير أن تجد من يكرهه أو يعتبره مملاً. يحتل الفيلم المركز رقم 48 في قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما، حسب معهد السينما الأمريكي، والبعض يعتبره أروع أفلام هتشكوك على الإطلاق، وقد قام المخرج العالمي فرانسوا تريفو بعمل دراسة مدققة عنه في مجلة كراسات السينما.
إن هذا الفيلم مشوق حقًا، ولو كنت لم تره فإن متعة هائلة تنتظرك..
كان هذا فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء. - DirectorJohn SturgesStarsSteve McQueenJames GarnerRichard AttenboroughAllied prisoners of war plan for several hundred of their number to escape from a German camp during World War II.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
كانت الحرب العالمية الثانية شلالا تفجّرت منه مئات الأفلام المثيرة التي تحوي ذروة لحظات الشجاعة والعاطفة والألم والخوف والموت والإصرار، ومن ضمن هذه الأفلام برز فيلم "الهروب الكبير - 1963" الذي يصف محاولة بطولية لأسرى الحلفاء للفرار من سجن ألماني شهير، لكن القصة الأصلية حقيقية ومعروفة لكل مَن قرأ في تاريخ الحرب العالمية.
جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية
جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية
المخرج جون ستيرجيس مخرج أمريكي بالغ الأهمية، وقد قدّم للسينما عناوين مهمة؛ منها: "معركة السلاح في أوكي كورال" و"العجوز والبحر" و"العظماء السبعة".. يمكنك أن تدرك أهميته للفن السابع.
في العام 1963 يختار وريدا ثريا؛ هو القصة المؤثّرة لمحاولة 200 أسير من الحلفاء الفرار من سجن "شتالاج لوفت 3" في شرق ألمانيا؛ وذلك ليلة 24 مارس عام 1944. على مدى 3 ساعات تقريبا يلعب بعواطفك وأعصابك فلا تشعر بالملل لحظة.. تارة تبكي وتارة تضحك وتارة تجلس على حافة المقعد وتلتهم أظفارك.
في الواقع فرّ 76 سجينا عندما وقع السجين رقم 77 في الأسر، وهو الذي عاش ليحكي القصة البطولية بعد الحرب.
استمع للحن المميّز للفيلم الذي قام بكتابته إلمر برنشتاين هنا
الفيلم من بطولة: ستيف ماكوين وجيمس جارنر ورتشارد أتنبورو وجيمس كوبرن وتشارلز برونسون وحشد من الأسماء، وقد كان الفيلم أمينا جدا على القصة الحقيقية مع بعض اختلافات قليلة؛ منها أن أي أمريكي لم يهرب من السجن في الواقع؛ لأن الأمريكيين نُقلوا جميعا إلى معسكر آخر قبل الهروب الكبير، لكن الأمريكان صنعوا الفيلم لذا من حقّهم أن ينسبوا البطولات لأنفسهم! في الفيلم يهرب الأمريكي ستيف ماكوين من خلال مطاردة مثيرة جدا بالدراجات البخارية أصرّ هو نفسه على إدخالها في السيناريو وأدائها، بل إنه يلعب دور دوبلير لمطارديه الألمان كذلك بعد ما ارتدى ثيابهم.. يُقبض عليه وهو يلبس ثياب جندي ألماني ويعاد للمعسكر، ولو حدث هذا في الواقع لتمّ إعدامه لارتدائه ثياب ألماني مما ينزع عنه صفة أسير الحرب.
شاهد هذا المشهد المثير هنا، وتذكّر أن ستيف ماكوين هو الذي يقوم به فعلا، بل إنه يلعب دور أحد مطارديه النازيين
نحن في معتقل "شتالاج" الرهيب.. في هذا المعسكر الموجود في بولندا، في عام 1942 كان أول السجناء طيارين بريطانيين، ثم بدأ الأمريكان يصلون عام 1943.
شاهد وصول ستيف ماكوين للمعتقل هنا
في النهاية صار في المعسكر عشرة آلاف سجين، وقد زود بأجهزة "سيزموجراف" تحيط به لاستشعار أي نشاط حفر تحت السطح.
كان المعسكر يقع وسط غابة تمّ إخلاء مربّع من الأشجار فيها، حوله سوران من السلك الشائك.. كل مَن يجتاز هذا السلك يفرغ فيه الحراس المتمترسون على أبراج رصاص بنادقهم الآلية. كل زنزانة كانت مرتفعة عن الأرض حتى يستطيع الحرّاس الزحف تحتها بحثا عن أنفاق.. قرّر الأسرى أنهم لو أرادوا الهرب فلا بد من عمل منظّمة عالية الكفاءة، وقد أسندوا القيادة لرتبة عالية يُدعَى صاحبها "بوشل" الذي أطلقوا عليه اسم X الكبير.
قرّر الرجل حفر ثلاثة أنفاق على أمل أن يظلّ أحدها صالحا، وأطلقوا على الأنفاق أسماء "توم" و"ديك" و"هاري"، وهكذا تمّ التعامل معها مع إنذار واضح بالمحاكمة العسكرية لأي أسير ينطق لفظة "نفق". الأنفاق تبطن بالخشب طبعا لأنها في الرمل، والخشب مصدره ألواح الأسرة.. تم استعمال 4000 لوح سرير مما جعل بعض الأسرى ينامون على أسرة بلا ألواح على الإطلاق. مشكلة أخرى هي الخلاص من الرمل الأبيض الناجم عن الحفر (طن رمال لكل متر من النفق) بينما كل أرض المعسكر سمراء داكنة.. معنى رؤية هذه الرمال هو افتضاح الأمر فورا. هكذا تمّ تعيين بعض الأسرى اسمهم "البطاريق" مهمتهم الخلاص من الرمال. كانوا يحملون حقائب سرية تحت سراويلهم ويفتحونها لتفرغ ما فيها أثناء عملهم في الحديقة، مع تغطية ما ينزل منهم فورا.
الحق أن العملية كانت شديدة التعقيد.. هناك فريق للمهندسين وفريق للإمدادات.. هناك فريق للتزييف مهمته عمل الخرائط وجوازات السفر والبوصلات البدائية. هناك فريق قام برشوة الحراس للحصول على مواعيد القطارات.. الرشوة كانت تتمّ بالصابون والشيكولاتة التي يجلبها الصليب الأحمر، مَن يقبل الرشوة أول مرة يظلّ هدفا للابتزاز بعد ذلك. كان هناك فريق من الخيّاطين لتزوير الثياب العسكرية والمدنية.. علب اللبن كان يتم استعمالها كأنابيب تهوية كما كانوا يصنعون شموعا فيها، عن طريق نزع الشحوم عن اللحم الذي يقدّم لهم ثم غرس فتائل في الدهن.
لقد استطال النفق توم حتى صار تحت السلك الشائك.. هنا اكتشف أحد الحراس الألمان وهو يغرس عصاه في الأرض ذلك النفق، وهكذا انتهى أمر توم.. تمّ نسفه بالمتفجّرات.
وتوقّف العمل في النفقين الآخرين منعا لجذب الانتباه حتى انتهى شتاء 1944، من ثمّ بدأ الحفر ثانية في النفق هاري، على أن يتم دفن الرمال في النفق ديك.
عندما انتهى العمل اجتمعت لجنة الهروب لتحدّد تاريخا مناسبا، وقد كانوا يأملون في فرار 200 أسير. لا بد من ليلة غير مقمرة، وهذا يتفق مع الأيام 23 إلى 25 مارس.. أخيرا تحدّد يوم 24 مارس، وتمّ السحب بالقرعة بعد إعطاء الأولوية لمن يتكلّمون الألمانية لأن فرصهم في الفرار أفضل.
بدأ احتشاد الأسرى في تلك الليلة في الكوخ 104 وهم حشد غريب من الناس يلبسون ثيابا غريبة.. البعض يلبس كرجال أعمال والبعض كعمّال والبعض كجنود ألمان.. الحرارة بالخارج تحت الصفر، وهو ما يجعل فشل المهمة شبه مؤكّد.. ومما زاد الأمور سوءا أنهم اكتشفوا أن النفق ينتهي قبل الغابة بعشرة أمتار، وهكذا صار على واحد أن يتوارى في الغابة ويقود المتسللين بحبل كي يلحقوا به.. كلما فرّ خمسة كان السادس يقوم بهذا الدور.
بعد قليل بدا واضحا أنه من المستحيل تهريب 200 رجل، لذا قرّروا أن يستمرّ الهروب حتى الرابعة والنصف صباحا ثم يتوقّف، لكن الأمر لم يدُم طويلا لأنهم سمعوا صرخة وطلقة رصاص.. هكذا عرفوا أن أمر النفق قد اكتشف، وهرعوا جميعا عائدين إلى الكوخ، وعلى الفور اندفعوا يحرقون الخرائط والأوراق ويلتهمون ما معهم من أطعمة.
هناك وجدوا أنهم محاصرون بالألمان يصوّبون مدافعهم نحوهم..
لقد فشل الهروب الكبير..
وفي السجن الانفرادي عرف الرجال الذين لم يفرّوا أن الحظ لم يتخلّ عنهم؛ لأن أنباء مَن هربوا كانت مخيفة.. كان الجستابو يقتلهم بالرصاص بلا تفاهم.. في الفيلم يُعدم الأسرى الخمسون بالمدفع الرشاش، بينما هم في الواقع أعدموا فرادى وبطلقة مسدس في مؤخرة الرأس لكل واحد.
شاهد هذا المشهد الطريف الذي يقع فيه اثنان من الحلفاء في الفخ بسبب الخطأ الشهير المعروف والتهذيب الزائد
منذ هذه اللحظة تولّى الجستابو كل شيء، وبدأ السجناء يشعرون بالشفقة على قائد المعتقل الذي يُواجه محاكمة عسكرية، وعلى الحرّاس الذين لم يرتكبوا أي فظائع بل تركوا الأمر للجستابو. - DirectorBrian De PalmaStarsAl PacinoMichelle PfeifferSteven BauerIn 1980 Miami, a determined Cuban immigrant takes over a drug cartel and succumbs to greed.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
هذه المرة لن أقول إن الفيلم المصري محاكاة سخيفة لهذا الفيلم؛ فالحقيقة أن فيلم "الإمبراطور" الذي أخرجه طارق العريان وقام ببطولته أحمد زكي ومحمود حميدة، يُعتبر محاكاة أمينة ومتقنة فعلا لهذا الفيلم، بالإمكانيات المصرية يُمكن القول إن العريان قدّم فيلم أكشن شديد الإحكام والإمتاع، وهناك مَشاهد كاملة منقولة حرفيا -لكن ببراعة- من "الوجه ذو الندبة".
إن "الوجه ذو الندبة" من أفلام العصابات المهمة جدا، وهناك مَن يُقارنونه بـ"الأب الروحي" نفسه.. لست أنا منهم طبعا، لكن لا أُنكر أنه فيلم شديد الأهمية.
برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير
برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير
برايان دي بالما مخرج أمريكي كبير، قدّم مجموع مهمة جدا من الأفلام، لا بد أنك تعرف؛ منها: "طريق كارليتو" و"كاري" و"المهمة: المستحيل" و"النزهاء" و"مرتد ثيابه للقتل"، وتُدرك طبعا أنه مخرج شديد الإتقان يُجيد عمله فعلا، وبالإضافة إلى هذا فهو متأثّر بهتشكوك إلى درجة لا توصف.. هذه من المآخذ الشهيرة ضده.
في العام 1983 يكتب المخرج الكبير أوليفر ستون سيناريو هذا الفيلم ليخرجه برايان دي بالما، وهو معالجة حديثة لفيلم بنفس الاسم قُدّم عام 1932، والحقيقة أن الفيلم عنيف جدا.. هذا عالم شيطاني لا يرحم، ولا يُمكن لأمثالنا أن يعيشوا فيه أكثر من عشر دقائق.
يبدأ الفيلم منذ عام 1980..
هذا عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والحرب ضد الشيوعية في ذروتها.. يُرسل كاسترو سفينة محمّلة من الكوبيين ليلحقوا بأهلهم في الولايات، ويستقرّ معظم هؤلاء في ميامي.. ما يخبرنا الفيلم به ولم نعرفه من قبل؛ هو أن كاسترو اختار أكثر هؤلاء الكوبيين من نزلاء السجون عنده ليتخلّص منهم.. طريقة لتدمير أمريكا من الداخل.. لا نعرف هل هي معلومة صحيحة أم هي بدافع كراهية الشيوعية، لكننا نبتلعها.
من ضمن ركاب السفينة نجد توني مونتانا الذي يلعب دوره آل باتشينو في أداء عبقري.. إنه الرجل الذي يحمل ندبة على وجهه، ويعرف كل رجل في الجمارك الأمريكية أنه لص كوبي، وأن هذا الجرح أصابه في مشاجرة دامية، لكنهم مرغمون على السماح له بالدخول؛ لأنه يتظاهر بأنه لاجئ سياسي.
هكذا يلتقي صديقه الكوبي ريبيرا (ستيفن باوير) وهو ممثّل ظريف لا يمكن نسيان دوره.. هذه قصة الصعود في المجتمع الأمريكي بدءا بنقطة الصفر، على أن الصعود قد يكون بطيئا وقد يكون سريعا خطرا.. الصعود السريع الخطر رأينا نماذج له مع آل كابوني والجزء الثاني من "الأب الروحي" وهنا..
يبدأ الصعود بجريمة قتل.. قتل موظف حكومي كوبي في معسكر اللاجئين، وهكذا يظفر توني بالجرين كارد، ويخرج مع صديقه للمجتمع الأمريكي المغري.. سيارات فارهة.. فتيات رشيقات يلبسن البكيني.. بيوت فاخرة.
يعتقد صديقه أن عليك أن تكون ظريفا، وأن تُجيد إخراج لسانك لتُغري كل الفتيات.. طبعا يتلقّى صفعة محترمة، ويتعلّم الرجلان أن الطريقة الوحيدة لنيل هاته الحسناوات هي أن تكون ثريا.. وأي ثراء!
شاهد هذا المشهد الظريف هنا:
من هنا ينضمّان لشبكة تهريب كوكايين تحت إمرة ممثّل بديع آخر هو موراي أبراهام الذي رأيناه في فيلم "أماديوس" يلعب دور خصم موتسارت اللدود.. هناك صفقة مخدّرات لدى بعض الكولومبيين، لكن اللعبة خطيرة جدا، ويُوشك توني على فقد حياته في مشهد شديد البشاعة تطير فيه الأطراف بالمنشار الكهربائي، وهنا تتمّ المذبحة الأولى.
كل مذبحة ترتقي به درجة في سلم العصابات..
وعند درجة أعلى يقابل مهرّبا أكبر هو فرانك ويقابل عشيقته (ميشيل فايفر) التي لا تدخر جهدا في إشعار توني كم هو حقير.. تقول علنا أنها لن تحبّ رجلا جاء من قارب الموز حالا.. هذه تمثّل التحدّي الطبقي الدائم.. قهر هذه الفتاة هو قهر طبقة بأسرها.
يقوم توني بزيارة أمه التي نعرف أنها مهاجرة كوبية متديّنة تعيش مع أخته، ولا تريد سماع حرف واحد عن توني، وندرك أن توني متعلّق بأخته أكثر من اللازم، ولا يطيق أن تخرج وحدها أو تعرف أي رجل.
يذهب توني وموراي أبراهام إلى بوليفيا للتعامل مع مهرّب كوكايين اسمه "صوصا".. هنا يتمّ التخلص من موراي أبراهام في مشهد بشع فعلا؛ لأنه كما يقولون يعمل مع رجال الشرطة.. هكذا ينفرد توني بالعمليات وحده.. مع الوقت يصعد نجمه في العصابة، ويصير قادرا على إعطاء الأوامر لمن كانوا رؤساء له.
يتعامل مع رجال الشرطة المرتشين الذين يتقاضون مالا منه مقابل الصمت، ومقابل محاربة خصومه في السوق.. في الوقت نفسه هو يحرس أخته التي تتردّد على الملاهي اللليلية، ونكتشف أن هناك شابا يلاحقها ويتودد لها.. لا يبدو توني مستعدا لقبول هذا.
هنا يُمارس آل باتشينو لعبة يُجيدها في أدائه السينمائي، هي تغيّر شخصيته مع الوقت ليصير أكثر خشونة وفظاظة وإرعابا.. نفس ما فعله في فيلم "الأب الروحي".
بعد محاولة اغتيال في نادٍ ليلي يقرّر توني -الذي نجا بصعوبة- الخلاص من فرانك زعيمه السابق، ويستولي على عشيقته الفيرا (فايفر) وعلى الإمبراطورية كلها.
نراقب توني في صعوده، وندرك كم أن القمة باردة منفردة موحشة، وندرك أن الإدمان والشكّ والعنف وكراهية الآخرين.. كل هذه الأمور قد جعلته لا يُحسن اتخاذ القرار الصحيح.
يفقد صديقه الوحيد لأنه حسبه يُقيم علاقة مع أخته، ويأتي مشهد النهاية.. الذروة.. مع هجوم رجال العصابات على القصر، بينما توني الذي أشعل الكوكايين حواسه يُطلق النار في كل صوب كالمجنون.. شاهد لقطة "قولوا مرحبا لصديقي الصغير" قبل إطلاق مدفع على المعتدين، وهي عبارة تفوز بإجماع المشاهدين دائما ضمن أفضل العبارات في تاريخ الأفلام:
تموت الأخت الأثيرة لديه، ثم يلحق هو بها في نهاية مأساوية شبه إغريقية.. نهاية تليق بكل هذا العنف.. حقّق الفيلم نجاحا ساحقا، وراق لنقّاد كثيرين منهم روجر إيبرت، لكن العنف الزائد أثار حفيظة كثيرين، بالإضافة إلى كونك تُشاهد الفيلم؛ فتخرج منه شاعرا أن أي كوبي مجرم يجب أن يُباد.. يحتلّ الفيلم مكانا بارزا في أي قائمة لأفضل أفلام العصابات أو أفلام الأكشن، وقد فاز باتشينو بجائزة الكرة الذهبية، وفي رأيي أنه حُرم من جائزة الأوسكار التي استحقها بجدارة.. هذا فيلم يجب أن تراه في أقرب فرصة. - DirectorQuentin TarantinoStarsJohn TravoltaUma ThurmanSamuel L. JacksonThe lives of two mob hitmen, a boxer, a gangster and his wife, and a pair of diner bandits intertwine in four tales of violence and redemption.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
كنت أتجنّب الكلام عن هذا الفيلم باعتباره حديثًا أكثر مما يُقدّمه هذا الباب، ثم فطنت إلى أن الزمن يجري بسرعة، وأن عمره اليوم صار 17 عامًا! هذا الفيلم من الكلاسيكيات الحديثة؛ أي أنه صار من تراث السينما فور تقديمه، وله أتباع شديدو الحماس والتعصّب، ويكفي أنه صنع اسم مخرجه كونتين تارانتينو الذي صار أي مهتم بالسينما الغربية يعرفه تمامًا.
كان تارانتينو قد حقّق نجاحه الأول مع "كلاب المستودع"، لكن هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه. تارانتينو المخرج الأمريكي الذي كان بائعًا في متجر فيديو، والذي يفخر بأنه لم يذهب لمعهد السينما ليصير مخرجًا بل ذهب للسينما نفسها، والذي قدّم للسينما عناوين مهمة جدًا؛ مثل: "كلاب المستودع"، و"خيال شعبي"، و"اقتلوا بيل"، و"جاكي براون"، و"أوغاد غير شرفاء" إلخ...
"خيال شعبي" هي أقرب ترجمة ممكنة لعنوان هذا الفيلم Pulp fiction، وهو يشير إلى كتب المغامرات الرخيصة الشعبية التي كان المجتمع الأمريكي يُحبّ قراءتها، وكان ورقها يُصنع من لباب الأشجار. الفكرة هنا أن الفيلم يُقدّم خليطًا من القصص هي أقرب للمغامرات التي تنشر في هذه القصص، ومن الصعب أن تأخذ كل شيء بجدية.. هناك مسحة من المزاح لا شك فيها، كما أن أغلب العنف ينتمي لطراز "اللسان في الخد" كما يقول كتّاب السيناريو.. أي أنه لا يأخذ نفسه بجدية.
كتب السيناريو كوينتين تارانتينو مع كاتب آخر هو روجير أفاري، ولا ننسى هنا أن تارانتينو كاتب سيناريو مخضرم بارع في عمله. وقد استوحى الكاتبان تركيب الفيلم وقصته من فيلم رعب شهير هو "يوم السبت الأسود" الذي كان يتكوّن من ثلاثة فصول. في الواقع كل الفيلم يتكوّن من أجزاء معروفة أو شوهدت مرارًا في أفلام أخرى، لكنه يصقلها لتبدو كأنها جديدة تمامًا.
هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه
هذا الفيلم هو الذي برهن بالتأكيد على أننا أمام مخرج وكاتب سيناريو فريد من نوعه
القصة يعرفها كل القراء غالبًا فلن نطيل الكلام عنها، وإن كنّا نذكّر القارئ بأنها تنتمي لأسلوب السرد غير الخطي، وتحوي عدة قصص متداخلة.. القصة "أ" تدور أمامنا بينما يمكن أن نرى لمحة من القصة "ب" في الخلفية، ثم ننتقل للقصة "ب" فنرى لمحة من القصة "أ" والقصة "ج". هذا الأسلوب الذي يبدو واضحًا جدًا في فيلم "مدينة الخطيئة" مثلاً، لكن هناك قصة واحدة تضع عباءتها على كل شيء. يطلقون على طريقة السرد هذه "السرد الدائري". والفيلم ينتمي لطراز السينما الذي يطلقون عليه "الفيلم الأسود الجديد" (Neo noir). الفيلم الأسود أصلاً هو الفيلم البوليسي الذي يدور في عوالم العصابات؛ حيث الليل والغموض والأزقة الخلفية والملاهي الليلية، والمفتش الخشن الذي يلبس المعطف الخاكي، وله طرق غريبة لممارسة مهنته تقترب من أساليب اللصوص أنفسهم.
كل شيء طريف ويتمّ تناوله من زاوية لم تخطر ببالك أبدًا..
هناك ثلاث قصص واضحة: قصة القاتل المأجور فيجا (جون ترافولتا)، وقصة الملاكم المحترف كوليدج (بروس ويليز)، وقصة مساعد القاتل وينفيلد (صمويل ل. جاكسون). والقصص تتداخل مرارًا.
المشهد الافتتاحي شهير جدًا، وقد تخصص تارانتينو في هذه المشاهد الافتتاحية التي لا تُنسى؛ حيث يجلس رجل وامرأة في مطعم.. إنهما لصان يبحثان عن عملية سطو يقومان بها.. يناقشان كل الأماكن التي يمكن السطو عليها، لكنهما يكتشفان أنه مع انتشار السلاح الناري صارت كل العمليات خطرة، وهكذا يقرران أن يسطوا على المطعم الذي يأكلان فيه بالذات، وعلى الفور تثب الفتاة للمنضدة لتعلن أنها ستقتل الجميع لو لم يذعنوا للأوامر.
وتبدأ التترات مع اللحن الذي صار شهيرًا جدًا
هذا المشهد هو القصة العباءة التي تحتوي الفيلم كله، وقرب النهاية نعود لهذين اللصين التعسين لنكتشف أن من بين رهائن المطعم ذلك القاتل المأجور عديم الرحمة "فيجا" وصاحبه.. إن اللص المنحوس هو الذي يهدد قاتلاً مأجورًا بالمسدس.
بين البداية والنهاية نقع في دوامة فاتنة من الأحداث، بين القاتلين القاسيين والظريفين "فيجا" ومساعده اللذين يركبان سيارة ويتبادلان النقاش حول أفضل شطائر هامبورجر أكلاها "بيج كاهونا"..
ثم يتبيّن أنهما ذاهبان لتنفيذ عملية قتل
هناك القاتل وينفلد الذي يتلو مقاطع كاملة من التوراة على ضحاياه قبل أن ينفذ الإعدام
ثم هناك زعيم العصابات الأسود والاس وزوجته ميا (أوما ثورمان) التي تتعاطى الكوكايين بانتظام، والتي يكلف أحد القاتلين (جون ترافولتا) بحراستها ومرافقتها في كل مكان، لكنها توقع ترافولتا في مواقف غاية في السوء..
أولاً تورّطه في الرقص وهو غير رائق المزاج لذلك
وهي رقصة شهيرة جدًا على ألحان تشوبي تشيكر، وقد اعتبرتها مجلة إمباير من أجمل رقصات الأفلام. لاحظ فيها ولع تارانتينو المرضي بالأقدام الحافية، الذي يظهر في كل أفلامه.
ميا تتعاطى الهيرويين الذي وجدته في معطف ترافولتا فتأخذ جرعة زائدة ويتوقّف قلبها، وهكذا يضطر ترافولتا لحقن قلبها بالأدرينالين. لو ماتت لنسفه زوجها نسفًا. هناك كذلك إطلاق رصاص بطريق الخطأ يفجر رأس أحد رجال العصابات ويلوّث السيارة من الداخل، وهو ما يضطر القاتلين إلى الاستعانة بمهنة غريبة نسمع عنها لأول مرة: الرجل المتخصص في إخفاء عمليات القتل. هنا نكتشف حقيقة غريبة؛ هي أن عليك إذا قتلت رجلاً أن تقضي الليل كله تنظّف السيارة من الداخل بعدة منظفات، وعليك أن تأخذ حمامًا بالماء البارد في العراء. هذا هو تارانتينو الذي لا يقدّم مشهدًا معتادًا أبدًا وروح السخرية لديه لا تقهر.
هو يشارك كذلك بالتمثيل في دور صغير بهذا المشهد
بطل الملاكمة كوليدج يتقاضى رشوة كي يخسر المباراة، لكنه يكسبها ويفتك بخصمه ويفر.. ويقضي الوقت في مطاردة مرعبة يحاول فيها زعيم العصابات الأسود مارسيلوس الظفر به، وهي المطاردة التي تنتهي بسقوطهما معًا مع وغدين منحرفين.
اشتهر هذا الجزء من الفيلم بعبارة:
Bring out the gimp، والـ gimp هي بذلة تستخدم لتقييد الضحية.
هناك حقيبة خاصة بالزعيم الأسود وتنتقل من يد ليد، وكلما فتحها أحدهم بدا عليه الذهول، لكننا لا نعرف ما فيها أبدًا. وقد حاول الكثيرون من مشاهدي الفيلم تخمين ما فيها، لكن تارانتينو نفسه يقول: الحقيبة فيها ما تتخيّله أنت.
وعندما نعود للمطعم الذي بدأ الفيلم فيه، نجد أنفسنا في مشهد مواجهة بالمسدسات على طريقة الوقفات المكسيكية الشهيرة بين اللصين التعسين وترافولتا وجاكسون. ويقرّر جاكسون أن يُطلق سراح اللصين بما سرقاه؛ لأنه شعر بأن السماء تريد له أن يعتزل مهنة القتل.
شاهد هذا المشهد الساحر هنا
هكذا ينتهي هذا الفيلم شديد الإمتاع، والذي لا يمكن وصفه إلا بمشاهدته. إن تارانتينو يُجيد عمل أفلام عن الأفلام.. أي أنه يعيد خلق أجواء أفلام المغامرات التي أحبّها في طفولته، وفيما بعد قدّم مع صديقه روبرت رودريجز فيلمًا ملفّقًا بالكامل هو "جرايند هاوس"، أي أنهما في أيامنا هذا صنعا فيلمًا من أفلام السبعينيات.
قام بالتصوير أندريه سيكولا، وحرص على أن يُعطي الصورة طابع أفلام الخمسينيات المميز.. المونتاج قامت به سالي منك، والفيلم لم يتكلّف سوى 8 ملايين دولار، وهي ملاليم بالنسبة للسينما الأمريكية طبعًا، لكنه حصد 214 مليونًا عبر العالم، وأعاد البريق لممثلين مهمين؛ هما بروس ويليز وجون ترافولتا.
عُرض الفيلم في مهرجان كان عام 1994، ونال جائزة السعفة الذهبية، كما رُشّح الفيلم لسبع جوائز أوسكار؛ فاز منها بجائزة أفضل سيناريو أصلي للشاشة، وما زال لهذا الفيلم الجميل أتباع متحمّسون حول العالم.. لقد جاء كونتين تارانتينو ليبقى.
كان هذا الفيلم الجميل من أفلام الحافظة الزرقاء.. - DirectorAkira KurosawaStarsToshirô MifuneMachiko KyôMasayuki MoriThe rape of a bride and the murder of her samurai husband are recalled from the perspectives of a bandit, the bride, the samurai's ghost and a woodcutter.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
هذا هو مبدأ الراوي الذي لا يوثق في كلامه.. ليس من يحكي القصة شريفًا صادقًا دائمًا.. ربما كان يتلاعب في الأحداث، وربما شهادته زائفة، المشكلة هي أننا لا نسمع القصة بكلماته ولكننا نراها رأي العين، وهذا يجعلنا مستعدين للتصديق..
تقنية الراوي الذي لا يوثق بكلامه Unreliable narrator تستعمل بكثرة في الأعمال الأدبية، ومن قرأوا رواية "مصرع روجر أكرويد" لأجاثا كريستي يعرفون أن الراوي كان يكذب عن طريق إغفال تفاصيل مهمة.. هناك مثال آخر قوي جدًا هو "المشتبه فيهم المعتادون" الذي قدّمناه منذ فترة.. الآن يأتي العبقري الياباني أكيرا كوروساوا ليقدم لنا عمله الشهير "راشومون" الذي يجعلنا في حيرة بالغة.. لا نعرف أبدا ما حدث فعلاً لأن كل الإجابات معقولة.. وهكذا دخل مصطلح "تأثير راشومون" إلى الأدب العالمي وإلى قاموس أكسفورد ليدل على حيرة الشخص إزاء عدة شهادات كلها تبدو صادقة.. هذا يجعل المرء قلقًا بصدد كتب التاريخ وشهادات شهود العيان كلها.
المخرج الياباني كوروساوا العظيم
المخرج الياباني كوروساوا العظيم
نستعيد معًا ما قلناه عن كوروساوا العظيم عندما قابلنا فيلميه "الساموراي السبعة" و"أحلام"، فقلنا إن له عالمه الخاص الياباني جدًا، حيث تشعر أن كل كادر نقش ياباني أنيق.. وإن لم ينكر أنه تأثر بشكسبير كثيرًا.. وقد قدم هذا المبدع أفلامًا يعرفها الغرب جيدًا ويعرف قيمتها؛ ومنها "راشومون" و"كاجيموشا" و"ران" و"أحلام" و"الساموراي السبعة"... إلخ. ومع كل فيلم يفتح الغرب فمه في ذهول، ويقتبس شيئًا من عالم هذا العبقري.. لو لم يوجد كيروساوا لما وجد جورج لوكاس وستيفن سبيلبرج وروبرت ألتمان.. هم قالوا هذا بلسانهم..
لا كرامة لنبي في وطنه، لهذا واجه كيروساوا مشاكل عديدة في تمويل أفلامه في اليابان، لدرجة أنه حاول الانتحار ونجا بمعجزة، وهكذا قام تلاميذه الأمريكان المليونيرات المخلصون من عينة سبيلبرج ولوكاس بمنحه شيكًا على بياض ليخرج أي حلم يخطر بباله، وكانت هذه عودته مع فيلم "كاجيموشا" أو "ظل المحارب" الذي سوف نتكلم عنه في حلقة قادمة.
هذا هو فيلم "راشومون" الذي قدّمه عام 1950 بالاشتراك مع المصور السينمائي الرائع كازو مياجازا.. والفيلم عن قصة "في البستان" للأديب الياباني أكوتاجاوا.. نال الفيلم انبهار العالم الغربي على الفور، ولفترة طويلة كان نجاحه مضمونًا في أي مسابقة.
بالمناسبة يمكنك تحميل الفيلم كاملاً دون قرصنة من هنا:
راشومون هو ذلك المعبد في الأحراش الذي يتوارى فيه الحطاب والكاهن من الأمطار.. وحيث يتبادلان سرد القصص المخيفة التي تدل على فساد الطبيعة البشرية.. القصة التي يحكيها الحطاب تدور حول عثوره عل جثة محارب في الغابة، وكيف أنه أبلغ السلطات للبحث عن القاتل..
الأمر يتعلق كذلك باغتصاب زوجة.. زوجة الساموراي.. هكذا إذن نحن نتكلم عن جريمة قتل وجريمة اغتصاب، تقبض المحكمة على المتهم الأول: قاطع الطريق البلطجي تاجومارو الذي يبدو كذئب أشعث شرس جعجاع.. الممثل توشيرو ميفون نجم محبب لدى كيروساوا، وقد قضى ساعات يدرس سلوكيات الأسد قبل أن يقوم بالدور:
القصة التي يحكيها البلطجي قاطع الطريق للمحكمة تدور حول أنه استدرج الساموراي وزوجته الشابة، وهناك قيد الساموراي لشجرة.. وهدد المرأة بالخنجر لينالها، طلبت المرأة من قاطع الطريق أن يحرر زوجها ويدخل معه في مبارزة.. هكذا سوف يموت أحد رجلين يعرفان عارها.. بالفعل يتم ذلك ويقتل قاطع الطريق الساموراي..
تحكي الزوجة قصتها.. قالت إن البلطجي تركها بعد الاغتصاب، أطلقت سراح زوجها وتوسلت له أن يقتلها لكنه لم يفعل.. لم تدر كيف ولا متى فعلت ذلك، لكنها وجدت أنها قتلت زوجها وأن خنجرها مغروس في قلبه، كأنها لم تتحمل جبنه ونذالته...
الآن يحكي الساموراي القتيل قصته، إن الاتصال بعالم الأرواح سهل جدًا في الثقافة اليابانية وله مفرداته الشهيرة.. لا بد من كاهنة شامان تأتي وتحاول استحضار الروح.. روح الزوج تأتي في مشهد مرعب فعلاً لكنه مفعم بالتقاليد اليابانية:
القصة التي تحكيها الروح مختلفة جدًا.. بعد اغتصاب الزوجة طلبت هذه من قاطع الطريق أن يقتل زوجها ليموت سر عارها معه.. لا يفعل قاطع الطريق هذا ويفضل أن يطلق سراح الزوجة، وفي النهاية ينتحر الزوج بأن يغرس الخنجر في صدره.
هنا نكتشف أن هناك شاهدًا آخر رأى كل شيء، لكنه كتم شهادته حتى لا تحتجزه المحكمة.. هذا الشاهد هو الحطاب.. في قصة الحطاب نرى أن قاطع الطريق وقع في حب الزوجة لكنها أطلقت سراح زوجها.. حاول زوجها ألا يشتبك مع قاطع الطريق، لكنها أعلنت اشمئزازها من هذين الرجلين اللذين لا يتصارعان من أجل امرأة يحبانها.. في النهاية انتصر قاطع الطريق تاجومارو ففرت الزوجة مذعورة..
هنا يتوقف سرد القصص لأن الحطاب والكاهن وعابر سبيل يجدون طفلاً رضيعًا في سلة.. ويحاول عابر السبيل سرقة أشياء كانت مع الطفل في سلته.. لكن الحطاب يمنعه.. الحقيقة هي أن الحطاب نفسه سرق خنجر الساموراي القتيل.. هكذا يستنتج عابر السبيل أن الإنسان مخلوق أناني شرير ويغادر راشومون.. لكن يقرر الحطاب أن يأخذ الطفل معه ليربيه.. هذا يمنح الكاهن إيمانا جديدا بالبشرية وبطيبة قلب الناس، وهنا تتوقف الأمطار التي لم تكن قد توقفت منذ بداية الفيلم:
ما هي القصة الحقيقية؟ ماذا حدث فعلاً؟ لا أحد يعرف.. كلهم كاذبون.. أو أحدهم صادق..
الفيلم قطعة من الفن الرفيع وكل شيء فيه مختلف. هناك ابتكارات تقنية كثيرة، منها أن الاعتماد على أشعة الشمس كامل في كل اللقطات مع استعمال مرايا ضخمة، ومنها أن المطر كان غير ظاهر لذا أضافوا للماء الساقط من أعلى بعض الحبر، ومنها استعمال الكاميرا المحمولة خلال المطاردات في الأحراش.. هناك تقنية مهمة في المونتاج هي استعمال عدد هائل من اللقطات القصيرة الخاطفة لإعطاء التأثير المطلوب.. هكذا يحوي هذا الفيلم ضِعْف عدد لقطات أي فيلم آخر.
اتهم كثيرون كوروساوا بأنه تأثر بتحفة أورسون ويلز "المواطن كين" في هذا الفيلم، والحقيقة أنه لم يكن قد رأى الفيلم بتاتًا قبل إخراج راشومون.. خضع الفيلم لدراسات مطولة وتحليلات عديدة ليس هنا مكانها على كل حال، لكن كثيرين قالوا إن الفيلم يرمز لحيرة اليابان وفقدان هويتها بعد الهزيمة والقنبلة الذرية.
فاز الفيلم بعدد كبير من الجوائز، ومن أجله ابتكرت لجنة جوائز أوسكار جائزة "أفضل فيلم أجنبي".. حاول أن تشاهده في أقرب فرصة. - DirectorRobert ZemeckisStarsTom HanksRobin WrightGary SiniseThe history of the United States from the 1950s to the '70s unfolds from the perspective of an Alabama man with an IQ of 75, who yearns to be reunited with his childhood sweetheart.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
أن تعيش كل لحظة مهمة في التاريخ الأمريكي وأنت شخص محدود الذكاء لا يعي ما يدور من حوله حقا، ومع هذا يكون لك دور وتُغيّر أشياء وتوحي بأشياء ويعتبرك البعض أقرب لنبي.
هذه هي القصة الصعبة المراوغة التي كتبها ونستون جروم، بلهجة الجنوب الأمريكي (قراءتها عمل شاق فعلا ولم أستطِع إكمالها).. وكان رأي معظم من قرأها من منتجين أنها غير قابلة للإخراج، غير أن المخرج والمنتج الأمريكي الكبير روبرت زيمكس رأي فيها عملا واعدا. وقد برع السيناريست إريك روث في تحويلها إلى فيلم عُرض عام 1994 وما زال يحيّر الناس، فمنهم مَن يراه عملا عبقريا يفضح أمريكا ويكشف عن حماقة هذا المجتمع المجنون، وهناك من يراه عملا سخيفا يتظاهر بالعمق ولا يعرف ما يريد قوله حقا.. مجلة إمباير البريطانية مثلا اعتبرت نجاح هذا الفيلم دليلا على غباء الجماهير وحماقتها.
روبرت زيمكس مخرج فيلم Forrest Gump
روبرت زيمكس مخرج فيلم Forrest Gump
في جميع الأحوال وبرغم دعاوى السخف والادّعاء هذه، أَحبّ الكل هذا الفيلم ووجدوه جميلا ناعما يستخدم سينما راقية خالصة. ومن اللقطة الأولى التي نرى فيها ريشة تتلاعب بها أنسام الهواء، وتحملها من كتف لكتف وفوق رءوس الناس والمباني، حتى تستقرّ عند حذاء فورست جامب مع موسيقى آلان سيلفستري الساحرة، ونحن ندرك أننا أمام حلم بصري لا شك فيه. من الصعب هنا ألا تتذكّر كلمات أغنية "الدنيا ريشة في هوا.. طايرة من غير جناحين.. إحنا النهارده سوا.. وبكره هنكون فين؟" التي سبقت هذا المشهد بخمسين سنة.
قدّم لنا زيمكس من قبل أفلاما جميلة مثل: "العودة للمستقبل" بأجزائه الثلاثة و"القطار السريع القطبي" و"المنبوذ" و"بيوولف"، و"الموت حليفها" و"من ورط الأرنب روجرز"؟.. هكذا استقرّ اسمه كمخرج كبير يتحرّك بالضبط في ذات المنطقة التي يتحرّك فيها ستيفين سبيلبيرج.
جاء هذا الفيلم ليظفر بأوسكار أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثّل لتوم هانكس وأفضل سيناريو وأفضل مؤثّرات وأفضل مونتاج، وحقّق إيرادات عظيمة.
للفيلم هيكل عام (wraparound) هو الرجل الجالس على مقعد ينتظر الحافلة، وجواره صندوق شيكولاتة، وفي قدميه حذاءا ركض.. وَضْع القدمين نفسه يدل على غباء شديد. القاعدة الأساسية في حياته والتي صارت شهيرة جدا بعد الفيلم هي:
ـ "الحياة مثل صندوق من الشيكولاتة.. لا تعرف أبدا ما تحصل عليه".
توم هانكس يؤدّي الدور بعبقرية خاصة مع نظراته المذعورة الغبية المختلسة للعالم. كلما جلس جواره شخص ينتظر الحافلة راح يحكي له -بلهجته "الفلاحي" الجنوبية الممطوطة المضحكة- جزءا من قصة حياته.. الناس يتبدّلون والقصة مستمرة، وهكذا كلما توغلت القصة بدأنا نفهم لماذا يجلس هنا ومن ينتظر.
قصة فورست جامب تدور خلال قطاع بالغ الأهمية من تاريخ أمريكا، منذ كانت تمثل البلد الحلم.. بلد البيبسي كولا ومارلين مونرو وميكي ماوس والروك أند رول، والتي سعت لتصير محررة العالم، مرورا بأعوام التفرقة العنصرية، وأعوام فيتنام الكئيبة وحركة الهيبيز ثم فضيحة ووتر جيت، ثم ظهور الإيدز.. كل هذا مع شريط صوت حافل بأغنيات تلك الحقبة.. هذا الفيلم كنز لمن يحبّون أغنيات وموسيقى تلك الفترة مثلي.
يفترض الفيلم أن فورست جامب كان شاهدا على كل هذه الأحداث، بل مشاركا فيها، بل صانعا لها في بعض الأحيان.
مثلا عندما يمشي مشيته المميّزة في جهاز تدعيم العظام الذي أرغم على تثبيته يوحي لألفيس بريسلي -وهو نزيل عندهم في البنسيون- برقصاته الشهيرة، وعندما يدوس في بقعة قاذورات تتناثر على قميص أحد أتباعه، فإنه يفسّر ما يحدث بعبارة *beep* happens أي أن القذارة تحدث، وهذا شعار شهير جدا على التي شيرتات الأمريكية.
منذ البداية كان جامب طفلا وحيدا يسخر منه رفاقه، فهو محدود الذكاء وطبيب البلدة الأحمق قام بتثبيت جهاز لتقويم العظام حوله إلى روبوت. أمه سالي فيلد تعيش وحدها بعد فرار أبيه وتعوله بطرق ليست شريفة تماما، وهي سخية جدا في عروضها لدرجة أنها تمنح نفسها لناظر المدرسة كي يقبل إلحاق صبي محدود الذكاء مثل ابنها في مدرسته.
في المدرسة يمارس الأطفال قسوتهم المعتادة ويتجنّبونه، لكن طفلة واحدة هي جين (روبين رايت) تسمح له بالجلوس جوارها. فيما بعد سنعرف أنه أحبّ اثنين في حياته هما اللذان سمحا له بالجلوس جوارهما.
قصة الحب الوحيدة في حياة فورست والتي ستظلّ معه طيلة حياته، تجمع بين منبوذين.. أحمق وفتاة صغيرة يغتصبها أبوها السكير بلا توقّف.. في هذا الوقت يكتشف فورست أن قدميه سليمتان وأنه يجري كما لم يجرِ أحد، وفي مشهد يثير القشعريرة يفلت من الصبية معذبيه ويتهشّم الجهاز الأحمق حول ساقيه.. ويصير شعار حياته الدائم هو:
ـ "اركض يا فورست.. اركض!"
إنها تعرف أنه غبي وساذج، لذا فإن ساقيه هما موهبته التي ستنقذ حياته.
ساقاه أدخلتاه الجامعة للتفوق الرياضي، وجعلتا منه نجم كرة برغم أنه كما قال المدرب: "أغبى حمار حي.. لكنه بالتأكيد سريع".
تأتي بعد هذا مرحلة دخول الجيش والتجنيد الإجباري، ومن جديد يتكرر مسلسل النبذ من الرفاق ما عدا الجندي الأسود بوبا (ميكلتي ويليامسون) الذي يصير صديق فورست، والمهووس بالجمبري وحلم أن يمتلك مطعما لا يُقدّم إلا الجمبري. هكذا كل أصدقاء فورست مهزومون بشكل ما، لكن فورست يكتشف أنه مناسب للجيش جدا.. يبدو أن الجيش يحتاج فقط إلى الأغبياء الذين يُنفّذون الأوامر بلا تفكير، وفي هذا المشهد الساخر نرى الصول يعتبره عبقريا:
وهنا:
لهذا يقول فورست: لسبب ما كنت بارعا جدا في الجيش.
يأتي كابوس فيتنام.. ويقابل الضابط (جاري سينيز) الذي سوف يكون صديقه الثالث فيما بعد. نرى لمحة من جحيم فيتنام، ونرى كيف يموت صديقه الأسود بوبا ويتمكّن بسرعته في العدو من إنقاذ باقي رفاقه.. حتى الضابط ينقذه برغم أنه لا يريد ذلك..
بعد الحرب يفقد الضابط ساقيه ويصير قعيدا وهو شيء لم يغفره لفورست قط.. كان يفضّل الموت في الميدان. الساقان المبتورتان للضابط انتصار لفريق المؤثرات الخاصة وشركة إندستريال لايت أند ماجيك التي صنعت الأعاجيب في هذا الفيلم، برغم أن عمره يقترب من عشرين سنة فما زال مقنعا جدا.
طور آخر في حياة فورست هو تعرّفه على الهيبيز وكيف اعتبروه صديقا لهم فارا من جحيم آلة الحرب الأمريكية. وفي هذه المرحلة يقابل جيني حبيبة الطفولة التي تواصل الانحدار لقاع المجتمع بلا توقف.. تذهب مع أي شخص وتنام مع أي واحد في أي لحظة.. لا تملك أحلاما على الإطلاق ولا طموحات سوى جرعة المخدرات التالية. هناك لقاءاته مع معظم الرؤساء الأمريكان وهي لقطات ملفّقة بالكمبيوتر وبارعة جدا.
هناك مرحلة عشق البنج بونج.. مضرب البنج البونج الذي سرقه من الجيش وهو الشيء الوحيد الذي ظفر به من الحرب:
هناك محاولاته ليحقق حلم صديقه الراحل بوبا بامتلاك مطعم للجمبري، وهو ما ينجح في تحقيقه أخيرا بمساعدة الضابط الذي فَقَد ساقيه في فيتنام. هناك حالة عشق الجري التي انتابته فجأة وجعلته يركض عبر الولايات المتحدة من شرقها إلى غربها وبالعكس.. وكيف صار أقرب لنبي له أتباع يتزايدون، ويطلبون منه قطوف الحكمة:
وفي النهاية يصل البحار إلى المرفأ ويستقرّ.. وفي هذا الوقت تعود له حبيبة عمره، والتي صارت أما لابنه.. تعود له لكن بعد ما قضت عليها حياتها العاصفة، وصارت حطاما.. ثم أصيبت بالإيدز.. إنها تمثّل موت الليبرالية في الحياة الأمريكية وانتهاء عصر كامل.
عندما تغلق الدائرة نرى فورست كما عرفناه على نفس المقعد.. ينتظر ابنه القادم بالحافلة. ابنه يتمتع بذكاء طبيعي وواثق من نفسه.. إنه الحلم الأمريكي الجديد بعد هذا التاريخ الصاخب المتخبّط.
ثم تهب نسمة حالمة.. وترتفع الريشة من جديد نحو أقدار لا نعرفها. - DirectorQuentin TarantinoStarsHarvey KeitelTim RothMichael MadsenWhen a simple jewelry heist goes horribly wrong, the surviving criminals begin to suspect that one of them is a police informant.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
في عام 1992 كان هناك شاب "مرووش" يعمل بائعا في نادٍ للفيديو، ولم يدرس السينما قط.. هذا الشاب راح يقابل المنتجين حاملا سيناريو عجيبا كتبه بنفسه ويريد أن يخرجه؛ الأغرب أن السيناريو يبدأ بجملة صادمة "أغنية مادونا هي أغنية عن رجل شديد الفحولة".. طبعا يقولها بألفاظ بذيئة جدا.. كان هذا صادما للمنتجين وبدا لهم أنه من الجنون فتح الباب لهذا الفتى أصلا، بعد أعوام عرف العالم أن هذا الشاب المجنون اسمه "كونتين تارانتينو" الذي كتب وأخرج بعد عامين فيلما بالغ الروعة اسمه (خيال شعبي) الذي قدّمناه هنا.
فقط مع هذا الفيلم أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى وأنه ظاهرة حقيقية في عالم السينما، وهكذا عادوا ليشاهدوا "كلاب المستودع" الذي حقّق نجاحا ساحقا.
إن الفيلم يندرج تحت نوعية أفلام اسمها "جريمة سطو فاشلة" أو Heist gone wrong؛ ومنها: "لوك ستوك وفوهتان يتصاعد الدخان منهما" و"عصر يوم حار" و"عندما يعرف الشيطان أنك ميت" و"القتل".
أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى
أدرك الناس أن تارانتينو جاء ليبقى
كانت خطة تارانتينو تصوير الفيلم بميزانية 30 ألف دولار، لكن الممثّل هارفي كيتل ساعدهم في تمويل الفيلم لتبلغ الميزانية مليونا ونصف المليون.
السيناريو الممتع الذي كتبه تارانتينو يحوي كالعادة مساحات هائلة من الحوار، وهو حوار غريب في حد ذاته.. هناك كذلك بذاءة غير مسبوقة.. الكل يشتم.. في مشهد البداية نرى أفراد العصابة يتناولون الإفطار في كافتيريا، فيدور بينهم جدل حول أغنية مادونا "مثل العذراء". بين الممثلين تارانتينو نفسه الذي يطرح نظرية مثيرة للجدل حول مغزى الأغنية، ثم يقرّرون جمع بقشيش للساقية فيدور جدل حول قيمة البقشيش.. إنها عادة تارانتينو في أن يبدو رجال العصابات أشخاصا عاديين جدا وأقرب للأطفال السخفاء أحيانا.
في النهاية ينهضون.. فيما بعدُ سنعرف أنهم ذاهبون لعملية سطو على ماس لدى مصرف، ولقطات البداية تعتبر من أجمل افتتاحيات السينما عندما يمشون بالسرعة البطيئة مع أغنية "الحقيبة الخضراء الصغيرة"..
شاهد الافتتاحية هنا
سوف نعرف ممثّلي الفيلم، وهم المجموعة التي صاحبت تارانتينو في أفلامه كلها تقريبا بعد ذلك: هارفي كيتل، وستيف بوشيمي، وتيم روث، ومايكل مادسين.. وبالطبع تارانتينو نفسه، وهو ممثّل متواضع المستوى لكنّ شيئا في أدواره يعلق بالذاكرة.
في هذا الفيلم لا يتم استخدام أسماء، ولكن كل واحد من العصابة يحمل اسم لون: مستر أزرق، ومستر وردي، ومستر بني، ومستر برتقالي... إلخ، وهم يعملون تحت إمرة جون كابوت رجل العصابات وابنه. منوع تبادل العناوين أو الأسماء الحقيقية، على كل حال سوف نجد موضوع استعمال ألوان بدلا من الأسماء مسروقا من فيلم الأكشن العظيم "الاستيلاء على بلهام 1-2-3".
هناك مشهد ظريف يرينا المشكلة التي تحدث عندما تعطي الناس فرصة الاختيار.. كل واحد لا يروق له لونه؛ مستر بني -ويلعب دوره تارانتينو نفسه- يشعر كأن اسمه هو "مستر براز"، بينما مستر وردي يشعر أن اسمه ذو إيحاء جنسي.. في النهاية يشخط فيهم كابوت "لا اختيارات هنا".. ليست هذه مدرسة أطفال.. كل واحد سيأخذ اسما ويلتزم به بالقوة، لو ترك لهم الحرية فلسوف يتقاتلون على لقب مستر أسود ومستر أبيض..
شاهد هذا المشهد الظريف هنا
بعد المقدمة يبدأ الفيلم الحقيقي الذي يدور كله في مستودع؛ لم نرَ السرقة.. لم نرَ ما حدث.. فقط ندرك أنهم فشلوا وأنهم تورطوا.. هنا تأتي براعة السيناريو حينما نجمع ببطء من أفواه اللصوص حقيقة ما حدث بالضبط، في المستودع يجتمع مستر أبيض ومستر وردي مع مستر برتقالي الذي ينزف بغزارة.. من الواضح أن الشرطة كانت تتوقع السرقة وقد أمطرتهم بوابل من الرصاص..
شاهد فرار مستر وردي هنا
كان مستر برتقالي هو الممثّل تيم روث، وقد ظلّ طيلة الفيلم على أرض المستودع ينزف.. قال فيما بعد إنهم كانوا يسكبون عليه شراب البرقوق الأحمر الذي يبدو كالدم؛ لهذا كانوا "يسلخونه" سلخا من الأرض في نهاية يوم التصوير.
المشكلة الألعن أن مستر أشقر أطلق رصاصا على الناس بشكل مجنون مما زاد الجريمة خطورة، بل إنه اعتقل رجل شرطة جاء به إلى المستودع.. عندما ينفرد المستر أشقر السادي برجل الشرطة يتسلى بتعذيبه؛ لدرجة أنه يرقص على الموسيقى في المذياع وهو يقطع أذن الشرطي.
هذا من المشاهد الشنيعة جدا في تاريخ السينما، وبرغم هذا يكتشف المرء في دهشة أنه لم يرَ أي أذن تقطع.. لقد أوحى تارانتينو بالأمر ولم يرينا أي شيء.
يُوشك كذلك على حرق الشرطي ويغمره بالجازولين، لكن البرتقالي يتدخّل في هذه اللحظة ويقتله بالرصاص، وهنا نعرف أن البرتقالي هو شرطي سري متنكر، وهو من أبلغ الشرطة بتفاصيل السطو قبل أن تقع، لكن هذا يكلّفه حياته تقريبا.
الآن تتكاثر الشكوك حول مستر برتقالي، ويدافع عنه مستر أبيض، مؤكّدا أنه من المستحيل أن يكون جاسوسا أو مخبرا لدى الشرطة، لكن جو ابن الزعيم يصل.. يخبرهم أن مستر أزرق قد مات أثناء الهرب، وهو يعرف يقينا أن البرتقالي مخبر شرطة.
يتمّ تبادل إطلاق رصاص على طريقة الوقفات المكسيكية
تنطلق الرصاصات في كل صوب.. والنتيجة لخبطة هائلة.. يموت فيها الكل تقريبا.. مستر وردي يحاول الفرار بالمسروقات لكن الشرطة تعتقله خارج المستودع، يحتضن مستر أبيض مستر برتقالي مواسيا مطمئنا؛ فيكشف هذا الأخير عن شخصيته وعن أنه شرطي.. اكتشف مستر أبيض أنه كان أحمق وأنه وضع ثقته في شخص خانهم.. يخرج مسدسه لقتله بينما نسمع صوت اقتحام الشرطة للمستودع.
وهنا النهاية مفتوحة نوعا ما ومتروكة لخيالنا، لكن من الواضح أن الرجلين سيموتان.
هنا ترى أفضل لقطات الفيلم
نال الفيلم تقديرا كبيرا من النقاد والجمهور، ولا بد أن يأتي ذِكره كلما تكلّمت عن السيناريو أو عن أفلام الأكشن أو عن تارانتينو.. صحيح أن كثيرين غادروا قاعة السينما أثناء عرضه الأول، لكن السبب هو أن جرعة العنف أو السباب قوية جدا.. ليس كل الناس قادرين على تحمل هذا الفيلم. يحتلّ الفيلم موقع 97 في قائمة أفضل 500 فيلم في تاريخ السينما وهو من أفلام الحافظة الزرقاء بكل تأكيد. - DirectorStanley KramerStarsSpencer TracyFredric MarchGene KellyBased on a real-life case in 1925; two great lawyers argue the case for, and against, a Tennessee science teacher accused of the crime of teaching Darwin's theory of evolution.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
مع النظرة الأولى قد يبدو لك هذا الفيلم مملا قاتما؛ فهو يدور في مكان واحد شديد القيظ حتى لتشعر بالعرق يبلل روحك ذاتها.. شمس الجنوب الأمريكي وارتفاع الرطوبة يجعلان الحياة جحيما. الفيلم بالأبيض والأسود وخالٍ من التوابل، وموضوعه محاكمة شهيرة في التاريخ الأمريكي، لكنك لو صبرت بضع دقائق لشعرت بأن المرآة تنفتح وتمتصكّ داخلها، ولن تفطن إلا وأنت تقرأ كلمة "النهاية".
البطل الحقيقي هنا هو السيناريو، وأداء وحشَيْن شديدي الاحترافية؛ هما سبنسر تراسي وفردريك مارش.
عُرِض الفيلم عام 1960 وأخرجه مخرج أمريكي عظيم هو ستانلي كريمر، وهو اسم ارتبط بأفلام ناجحة كثيرة نذكر منها: "على الشاطئ" و"محاكمات نورنبرج" و"إنه عالم مجنون مجنون" و"خمن من القادم على العشاء".
أخرج الفيلم ستانلي كريمر الذي ارتبط اسمه بأفلام كثيرة ناجحة
أخرج الفيلم ستانلي كريمر الذي ارتبط اسمه بأفلام كثيرة ناجحة
أما عن عنوان الفيلم الغريب -يترجم أحيانا "ميراث الريح"- فهو يُشير إلى الآية رقم 29 من سفر الأمثال التي تقول: "من يكدر بيته يرث الرياح والغبي خادم لحكيم القلب"؛ أي أن مَن يضع أهل بيته في آلام وضيق مستمر بسبب انعدام المسئولية لديه، يصِر لا شيء.. سوف يمتلك الهواء لأن الكل سينفضون عنه يوما ما.
قصة الفيلم الذي قدّم عام 1960 هي عن مسرحية بنفس الاسم لجيروم لورانس وروبرت إدوين لي، وهي تحكي عن قضية مهمة وشهيرة جدا لدى الأمريكيين وهي "محاكمات القرد".. سوف نعرف من الفيلم أن الأمريكان -خصوصا في ولايات الجنوب- أصوليون جدا وشديدو الحساسية فيما يتعلق بالنظريات الحديثة التي يرونها تتعارض مع الدين، وكانت محاكمة القرد الشهيرة التي دارت عام 1925؛ حيث قدم مدرس أحياء شاب للمحاكمة؛ لأنه قام بتدريس نظرية التطور الخاصة بداروين في الصف لتلاميذه، وهي لم تكن في المنهج أصلا. ما زال الجدل قائما حول نظرية داروين؛ فهي نظرية علمية تخطئ وتصيب، والقول إن أصل الإنسان قرد هو تبسيط مخلّ للحقائق بلا شك.. لقد كان داروين عالم تشريح مقارن بذل جهدا علميا خرافيا، والفيلم -وأي شخص عاقل- يرى أن من حق المدرس أن يقدّم هذه النظرية لتلاميذه ليس باعتبارها الصواب الوحيد طبعا.. يجب أن نعرف مختلف الاتجاهات والأفكار.. من الخطأ أن تعزل التلاميذ في قوقعة؛ هكذا نرى أن الفيلم يعرض صداما أراده البعض بين الدين والعلم، وهو لا ينكر الدين لكنه كذلك يحترم العلم بشدة.
شاهد التيتر الأساسي مع أغنية بلوز تقول "أعطني دينا قديما.. فهو يناسبني"
تدور قصة الفيلم حول المدرّس الشاب كيتس الذي يتمّ اعتقاله "متلبّسا" في المشاهد الأولى من الفيلم
لاحظ أن اللقطات تستعمل أحيانا أسماء أصحاب القضية الحقيقيين.. التهمة هي تدريس نظرية داروين في المدارس والتي يرى المتديّنون في البلدة أنها مؤامرة لتخريب عقول الشباب. في عالم الواقع تولّى اتهام المدرس محامٍ متدين فائق الصيت هو ويليام برايان، وتولى الدفاع عنه محامٍ شهير جدا اسمه كلارنس دارو. هنا اسم ممثل الاتهام ماتيو برادي -يؤدي دوره الممثل العظيم فردريك مارش- أما المحامي هنا فهو هنري دراموند الذي يؤدي دوره سبنسر تريسي.
في تلك البلدة الجنوبية الصغيرة يطالب الكل برأس المدرّس، وبطلهم الذي سيأتي لهم بحقهم هو برادي العظيم.. الرجل الأصولي المفوّه الذي يعتبر التوراة هي الكتاب الوحيد ذو الأهمية في العالم، وما عدا هذا تضييع وقت. هنا يطلب المدرس الشاب المهدد بضياع مستقبله محاميا بارعا هو دراموند الذي تدفع أتعابه جريدة أمريكية مهتمة بهذا الصخب المثير.
دراموند شخص متفتّح يحترم العلم، ويرى أن كل الكتب مهمة ويجب أن تقرأ.. وعبارته التي تتكرر هي: "التوراة كتاب رائع، لكنها ليست الكتاب الوحيد".
هكذا تبدأ هذه المعركة في جو خانق حار.. وجو يُذكّرنا كثيرا بفيلم "اثنا عشر رجلا غاضبا" الذي قابلناه منذ فترة في الحافظة الزرقاء.. يبرع تصوير إرنست لازلو الذي اعتمد غالبا على ضوء الشمس في نقل الجو بدقة، حتى إنك تشعر بالحر والعرق أنت نفسك.
هناك صحفي مشاغب عابث هو جين كيلي، يتابع المحاكمة، ويسعده جدا أن يجعل الناس لا يشعرون براحة حيثما يكون موجودا، وموقفه واضح جدا في صف المحامي دراموند.
إن المحاكمة مستعرة والحجة تضرب الحجة، ومنطق الرجلين قوي جدا حتى إنك في لحظات كثيرة لا تعرف في أي معسكر أنت.
ما نعرفه كذلك هو أن الرجلين العظيمين صديقان قديمان وكلاهما يحمل تقديرا كبيرا لخصمه..
شاهد هذا المشهد الرائع هنا وهما يجلسان على مقعدين هزازين في ليلة حارة ويثرثران
إن المحاكمة التي نراها في الفيلم تطرح عشرات الأسئلة.. محاكمة للعقل البشري والتعصب والعلم والتطور.. تناقش العلاقة المتحفزة بين العلم والدين وهل الصدام محتم بينهما أم لا؛ هذا فيلم لا يشاهد مرة واحدة، وبالتأكيد سوف تفكّر فيه عدة أيام بعدها، أو يدخلك في مناقشات ساخنة مع مَن شاهده معك.
في النهاية تنتصر حجة دراموند وينجح في تبرئة المدرس.
النتيجة هي أن شخصية متعصبة مثل شخصية برايان لا تتحمّل هذه الهزيمة أمام أنصاره الذين يؤمنون به لدرجة التأليه.. يحاول إلقاء خطبة متعصبة أخيرة جعلته يبدو كمجنون ثم يسقط منهارا.. لقد فقد مبرر وجوده عندما هزم.
رشّح الفيلم لعدد هائل من جوائز الأوسكار، وبافتا.. ونال فردريك مارش جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين كأفضل ممثل، بالطبع أدعوك بشدة إلى أن تقوم بتحميل هذا الفيلم ومشاهدته. - DirectorKevin CostnerStarsKevin CostnerMary McDonnellGraham GreeneLieutenant John Dunbar, assigned to a remote western Civil War outpost, finds himself engaging with a neighbouring Sioux settlement, causing him to question his own purpose.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
رأيت هذا الفيلم في سينما نورماندي بمصر الجديدة عندما تمّ تجديدها عام 1991، وكانت آلة العرض ممتازة وسماعات الصوت في حالة رائعة (كنت تسمع سنابك الخيول إذ تركض في الشارع خارج السينما)، ولهذا لم أعتبره فيلما ولكن تجربة روحية كاملة، عندما ترى كل هذا الإتقان فأنت بحاجة لأن تراه كما أراد صانعوه.
الفيلم لعب علني بالمشاعر يُوشك أن يمد يده من الشاشة لعينك ليعتصر الدموع منها، لكنه لعب راقٍ عالي المستوى، ولهذا تجهش بالبكاء عدة مرات أو تشعر بالقشعريرة وبرغم هذا لا تخجل من نفسك. هذا النوع من القصص التي يُسمّونها "ذات موقف سياسي صحيح" (politically correct)؛ إذ يتمّ إعادة الاعتبار للهنود الحمر أو السود.. لقد مرّ عهد طويل على زمن أفلام جون واين العنصرية، عندما كان يقتل الهنود كالذباب بينما المُشاهد يُصفّق ويبعثر الفيشار منتشيا.. اليوم نحن نعرف أن جون واين عنصري يميني سادي، وهذا الاتجاه معروف في السينما الغربية باسم Revisionist cinema أي سينما المراجعات؛ حيث تكتشف السينما أنها كانت مخطئة في الماضي.
اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر
اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر
النقطة الثانية بالنسبة للفيلم هي أن بوسعك لو رأيته أن تعتبر أنك عرفت قصة فيلم "أفاتار" الذي هزّ العالم مؤخرا، مع جعل الهنود كائنات فضائية في فيلم "أفاتار".
اليوم نقابل النجم الوسيم والمخرج البارع كيفن كوستنر. القصة عن كتاب لمايكل بليك، وقد استغرق الفيلم خمسة أعوام في الإعداد ليعرض عام 1990، وتكلّف 22 مليون دولار، وهي ميزانية متوسّطة بمقاييس تلك الأيام، لكنها تجاوزت الميزانية المرسومة بكثير.
التصوير الرائع هو للفنان دين سكلر، والموسيقى للفنان جون باري صاحب الموسيقى التصويرية لأفلام لا تنسى؛ ومنها اللحن المميّز لأفلام جيمس بوند..
استمع إلى لحن "يرقص مع الذئاب" الشهير جدا هنا
منذ اللحظات الأولى للفيلم نحن في جحيم الحرب الأهلية الأمريكية، بين جيش الجنوب وجيش الشمال.. الملازم الأول دونبار (كوستنر) قد أُصيب إصابة بالغة في قدمه، وقد كان الحل الأسهل وقتها هو البتر، لكنه يُفضّل أن يركب حصانه ويفرد ذراعيه كالشهداء، ويمشي أمام مدفعية العدو ليظفر برصاصة تنهي آلامه.. تنهمر عليه الطلقات في مشهد لا ينسى لكنه يظلّ حيا.. ويتوسّل له الأعداء أن يعيد الكرة ليجربوا أن يقتلوه.. يفعلها ثانية ويظل حيا. النتيجة هي أنه يُشعل لهيب زملائه ويكرون فينتصرون على العدو.. يكافئه القادة بأن يعهدوا بجرحه لطبيب حقيقي محترم يحافظ له على قدمه، ويمنحوه الجواد الذي كان يمتطيه.
شاهد هذا المشهد هنا (وإن كانت النسخة رديئة فعلاً)
لسبب ما لا يستطيع دونبار التكيّف مع الحياة الأمريكية.. يريد العزلة، لذا يطلب أن ينقلوه للحدود الغربية. هكذا يرسلونه إلى كولورادو ليكتشف أنه وحيد تماما هناك، ليس له جيران سوى قبائل الهنود الحمر.
هكذا يقضي حياة شبيهة بروبنسون كروزو.. يبني حصنا صغيرا، ويدوّن مذكرات كل يوم في دفتر صغير. تتكرّر محاولات سرقة حصانه من هنود السيوكس جيرانه، وهكذا يقرّر أن يذهب لقريتهم للتفاوض.
يكون اللقاء الأول مؤسفا نوعا؛ لأنه ينقذ امرأة بيضاء حاولت الانتحار ويعيدها للقبيلة.. المرأة تدعى "تقف بقبضة" وتلعب دورها الممثلة ميري مكدونل، وهي فتاة يتبنّاها زعيم القبيلة الذي يلعب دوره ببراعة جراهام جرين، وقد حاولت الانتحار بسبب فقدان زوجها.
هكذا يتحطّم الحاجز نوعا.. ويقوم بعض الهنود بزيارته ليجلبوا له هدية هي فراء جاموس لفصل الشتاء، وفي أول لقاء حضارات يعلّمهم شرب القهوة في مَشاهد شديدة الإمتاع. إن اللغة عائق شديد بين الطرفين، وإن كانوا يحاولون التغلّب عليه.. يزحف دونبار على أربع ويرسم لنفسه قرنين ليتعلّم أول كلمة هندية يعرفها "تاتانكا" معناها "جاموس".
شاهد هذا الجزء هنا
عندما يكتشف دونبار هجرة واسعة للثيران البرية في ظلام الليل، يهرع ليخبر القبيلة.. وهكذا ينطلق الجميع للصيد وجمع مخزون لحم للشتاء.. ويثير انبهار الهنود ببراعته وبندقيته.
شاهد هذا المشهد هنا
لقد صار منهم بالفعل وفي تلك الليلة يأكل ويشرب في مأدبتهم حتى يفقد قبعته العسكرية ويقايضها بخنجر، وهذه بداية تحوّله المستمر
إنه يفقد ثيابه العسكرية الأمريكية كما يزداد عدد الكلمات الهندية التي يستعملها
أما عن ليالي الوحدة، فرفيق دونبار فيها هو ذلك الذئب الصموت الفضولي الذي أطلق عليه "ذو الجوربين"، ورقصات يرقصها بغصن شجرة حول النار. هنا يستعرض مدير التصوير ومؤلف الموسيقى التصويرية والمونتير عضلاتهم ببراعة مذهلة، الهنود يرون هذا المشهد العجيب ولا يفهمون مغزاه، لكنهم يطلقون على دونبار اسم "يرقص مع الذئاب".
شاهد هذا المشهد هنا
وهنا
عندما يرحل الرجال للقتال، يُكلّفون دونبار بحراسة النساء والأطفال في القبيلة، وهي المهمة التي يقوم بها ببراعة؛ إذ يعلّم النساء استعمال البنادق. وعندما تُغِير قبيلة منافسة على المعسكر تنجح لغة الرصاص في قهر المهاجمين، وهكذا تتزايد مكانته ويعتبره معظم الهنود أخا.. ويوافق الزعيم على أن يتزوّج "تقف على قبضتها".
مشكلة دونبار وسط هذه السعادة هي معرفته أنه صار هاربا من جيش الولايات المتحدة، وهذا سوف يدفع الجنود الزرق لمطاردته، وهو ما يحدث فعلا عندما يعود لمعسكره.. يقبض عليه جنود الجيش ويقتلون حصانه، ثم يقتلون الذئب صديقه كذلك في مشهد يحطّم الأعصاب، ثم ينقلونه للمحاكمة العسكرية التي سوف تنتهي بإعدامه طبعا.. إن الفيلم يظهر جنود الولايات المتحدة كمجموعة من الحيوانات، بينما يُظهر الهنود قمة في الرقي والتحضّر.
يتدخّل الهنود لإنقاذ دونبار ويذبحون الأمريكان ذبحا..
لكن الحياة صارت مستحيلة بالنسبة لدونبار.. يعرف أنه صار لعنة بالنسبة للقبيلة، كما أن بقاءه معهم يجلب لهم المتاعب ومطاردة الرجل الأبيض.
لهذا يودع القبيلة ويصطحب زوجته مبتعدا في مشهد يبعث القشعريرة في النفس، خاصة مع صيحات الوداع من صديقه المخلص "الريح في شعره"
نرى ملاحقة الجنود البيض له.. والبحث في الرماد عن آثاره.. وينتهي الفيلم عند هذا الحد، وقد توقّعنا أنهم سيجدونه على الأرجح، ولسوف يقضون كذلك على السيوكس خلال 13 عامًا، هذا ما يخبرنا الفيلم به وهو دقيق تاريخيا.
كان تصوير الفيلم كابوسا؛ بسبب تقلّبات الجو العنيفة في داكوتا، وكذلك بسبب صعوبة السيطرة على الحيوانات، وخاصة مشهد قطعان الجاموس الضخم، لم يكن الكمبيوتر قد بلغ درجة البراعة الكافية لتقديم مشهد كهذا.
كان معظم حوار الفيلم بلغة "لاكوتا" التي يتكلّمها هنود السيوكس، وكانت هناك مدرّبة متواجدة لملاحظة الحوار دائمًا، وإن انتقد السيوكس الفيلم فيما بعد؛ لأن هناك لغة للرجال ولغة للنساء عندهم، وبالتالي كان كل رجال الفيلم يتحدّثون كالنساء.
ظفر الفيلم بأوسكار أفضل فيلم أمام "جدعان طيبون" فيلم مارتن سكورسيز و"الأب الروحي" الجزء الثالث. حصد كذلك أوسكار أفضل إخراج وأفضل سيناريو وتصوير ومونتاج ومزج صوت وموسيقى، كما فاز بعدة جوائز "الكرة الذهبية"، يبدو أن هذا الفيلم كان "تيتانيك" ذلك العام.
كان هذا الفيلم الجميل من أفلام الحافظة الزرقاء.. - DirectorSteven SpielbergStarsHenry ThomasDrew BarrymorePeter CoyoteA troubled child summons the courage to help a friendly alien escape from Earth and return to his home planet.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
في عام 1982 كنت في الكلية، وكان العالم كله يهتز انفعالا بفيلم جميل صنعه عمود السينما الأهم ستيفن سبيلبيرج.. رآه الناقد رءوف توفيق في الخارج فعاد ليحكيه لنا في ملف كامل من مجلة الدوحة القطرية، ثم عُرض في مصر، وبعدها صار في كل شيء؛ الملصقات.. الألعاب البلاستيكية.. التي شيرتات.. أدوات المدرسة.. كان أولاد أختي صغيري السن جدا لهذا كانوا يُطلقون على أي ملصق "ستيكر" لفظ "إي تيهات"، مثلما نطلق نحن على أي حفّاضة لفظة "بامبرز". لقد كان أول ستيكر يرونه في حياتهم هو ستيكر يحمل صورة إي تي.
لقد حكم إي تي حقبة الثمانينيات بلا جدال، وقهر "حرب الكواكب" ليعلو قائمة أعلى إيراد في التاريخ لمدة عشر سنوات كاملة. على أن الجميع لم يتحمّسوا بهذا القدر؛ فالناقد الكبير -وأبي الروحي- سامي السلاموني كتب ينتقد الفيلم في مجلة الإذاعة والتليفزيون بعنوان: "إي تي.. القرد القادم من الفضاء الخارجي ليضحك على العالم!"، ورأت ناقدة ماركسية أن الفيلم يُحاول تمرير رسالة خطرة هي أن اليهودي كائن وديع لطيف مثل هذا الإي تي، وكل ما يحتاج له هو بعض الحنان! لا تنسَ أن سبيلبيرج يهودي بشدة، وهو لا يكف عن عزف مزمار يهوديته في كل أفلامه، حتى بلغ درجة العزف المنفرد في فيلم "قائمة شندلر".. على كل حال يجب أن أعترف أنني أنا الآخر لم أحبّ الفيلم كثيرا، لكني تعاملت معه برهبة؛ لأنه من المستحيل أن أكون المحقّ الوحيد.
سبيلبيرج صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس"
سبيلبيرج صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس"
كان سبيلبيرج قد صار قوة كاسحة في هوليوود بعد فيلم "الفك المفترس" الذي تحوّل إلى أسطورة، وكان هناك إجماع على أن الإمتاع في أفلامه عالٍ جدا، وكلها تحصد الإيرادات حصدا، وإن اختلف النقاد حول قيمته الحقيقية، ورأى بعضهم أنه مجرد شخص يصنع الأفلام التي كان على ديزني أن يصنعها فلم يفعل. كان على سبيلبيرج أن ينتظر طويلا حتى يعترفوا به بشكل رسمي، كتبت سيناريو الفيلم كاتبة سيناريو مهمة جدا هي مليسا ماتيسون، لكنك تدرك بسهولة أنها كانت تنفّذ رؤيا سبيلبيرج فقط، أما التصوير فكان لألن دافيو وهو مصوّر مهم بدوره، أما عن موسيقى جون ويليامز فهي كالعادة فوق التعليق.
لفظة "إي - تي" اختصار للفظة extraterrestrial ومعناها "القادم من خارج الأرض"، وقد دشن هذا الفيلم موضة "الفضائي الوديع"؛ فقد ظلّت كل الكائنات الفضائية مخيفة وسافلة حتى العام 1982، عندما قدّم هذا الفيلم احتمالا آخر: "قد يكون الفضائي خائفا مذعورا لا يريد سوى العودة لبيته".
يبدأ الفيلم بسفينة الفضاء التي تنزل للأرض، ويخرج منها هذا الكائن الصغير الرقيق "إي تي"، ثم ترحل السفينة تاركة الصغير المذعور، والذي لا يعرف إلى أين يذهب ولا ماذا يفعل.. إن وجه إي تي صار أيقونة مهمة في الثمانينيات، ويقول صانع المؤثّرات كارلو رامبالدي إنه استعمل عينيّ أينشتاين الحساستين المذعورتين مع تكوين قرد الليمور الشهير، هناك قزم يلبس بذلة إي تي ويضع على وجهه هذا القناع.
لكل طفل صديق سري يزعم أنه يراه وحده ولا يراه الكبار.. هذا ما يحدث هنا حرفيا عندما يجد الطفل إليوت الكائن الفضائي في الغابة ويصحبه معه للبيت. نتعرف حياة أطفال الضواحي في أسرة بغير أب غالبا، تلك البيئة التي يستعملها سبيلبيرج كثيرا في أفلامه وهي ببساطة البيئة التي نشأ فيها، بل إنه اخترع لنفسه صديقا سريا عندما طلّق أبوه أمه وهو طفل.
يخفي الطفل إليوت الكائن في غرفته، ويتظاهر بأنه محموم ومريض حتى لا يذهب للمدرسة..
مشهد مفعم بالحيوية وإن كان بالألمانية في هذا الكليب
إن الأطفال ينسجمون مع الحيوانات والكائنات الغريبة بسرعة، لهذا تنشأ صداقة بين الأطفال الثلاثة وذلك الكائن الذي يخبّئونه في غرفتهم.. هذا بالطبع بعد لقاء هستيري مليء بالهلع عندما تكتشف الطفلة ذلك الكائن الذي يُخفيه أخوها في غرفة نومه
هناك توحّد واضح بين الطفل إليوت وإي تي.. لاحظ أن اسم الطفل يبدأ وينتهي بحرفي ET. سوف تميّز بين الأطفال تلك الطفلة الحسناء درو باريمور، والتي كبرت وعرفها الجميع فيما بعدُ خاصة في اللقطة الافتتاحية لفيلم "الصرخة"، وهي ترد على مكالمة السفاح.
هنا نلاحظ نقطة يلتزم بها الفيلم، هي أننا باستثناء الأم لا نرى الكبار أبدا.. لا ترتفع الكاميرا إلى أعلى من الخصر في أي لقطة، على طريقة أفلام توم وجيري. عالم الكبار مخيف وغامض، بينما الكائن مفعم بالحب والحياة.. إن الورود تزدهر عندما يلمسها، وله قلب خفّاق يتوهج بين الضلوع.
النصف الأول من الفيلم ساحر حقا، عندما يصادق إي تي كلب الأسرة، أو عندما يشرب البيرة ويسكر، أو عندما ينقذ الضفادع من التشريح في المدرسة عن طريق التخاطر مع إليوت (لاحظ أنه يشبه الضفادع هو نفسه لذا يتعاطف معها)، وهو مشهد شاعري فعلا، ينتهي بقبلة لفاتنة الصف..
وهو يصمم جهازا يخاطب به كوكبه لينقذوه، ولا يكفّ عن تكرار اللفظة الإنجليزية التي يعرفها:
ـ "إي تي يتصل بالبيت" (ET phone home)
شاهد هذا المشهد المؤثّر هنا مع ثلاثة الأطفال
ثم أن إي تي يمرض ويوشك على الموت، بل يموت فعلا، ويصير فأر تجارب لدى الحكومة الأمريكية في مشاهد ضخمة من التي تروق جدا لسبيلبيرج. هنا يتمادى سبيلبيرج فيربط بين إي تي والمسيح -عليه السلام- ذاته، والنقاد الذين فطنوا لهذا أدهشتهم غلظته التي تصل لدرجة الوقاحة. لاحظ أفيش الفيلم الذي يظهر تلامس الأصابع، وهو استنساخ للقطة من لوحة مايكل أنجلو على سقف كنيسة سستتين؛ حيث يمد المسيح إصبعه بذات الطريقة. إن إي تي يموت ثم يبعث من جديد، ويحمله أصدقاؤه على دراجاتهم في سباق رائع.. تذكر مشهد عبور الدراجات أمام قرص القمر الذي صار بعد هذا رمزا لشركة سبيلبيرج الأولى "أمبلين"..
شاهده هنا بعد دقيقة
أو هنا.. مطاردة دراجات مثيرة جدا
إي تي يصعد إلى السماء في مشهد شبه ديني عندما تهبط سفينة الفضاء.. هنا يتدخّل الإخراج العبقري مع موسيقى جون ويليامز الساحرة لجعل الجميع يبكون.
حرص سبيلبيرج على تصوير الفيلم بالترتيب وكما نراه على الشاشة بالضبط، وهذا حتى يبني مشاعر الأطفال الممثلين تدريجيا، وهذا ترف لا تقدر عليه السينما المصرية مثلا. أنت تصوّر كل مشاهد ميدان التحرير معا؛ سواء ما كان منها في أول الفيلم أو آخره، لتقليل تكاليف العودة للميدان مرة أخرى.
شاهد ملخصا سريعا للفيلم هنا
لم يكف سبيلبيرج عن إدخال تعديلات على الفيلم كعادته، وهكذا هناك نسخة 1985 ونسخة 2002، وفي كل مرة هناك تغييرات معينة تدفع الناس دفعا لشراء الفيلم الجديد. لا بد أنك شاهدت الفيلم ويمكنك أن تحكم إن كان إي تي كائنا فضائيا رقيقا شاعريا، أم هو على رأي سامي السلاموني "القرد القادم من الفضاء الخارجي ليضحك على العالم".. ومهما كان رأيك فهو فيلم مهم لا بد أن نحتفظ به في الحافظة الزرقاء. - DirectorJim SheridanStarsDaniel Day-LewisPete PostlethwaiteAlison CrosbieAn Irish man's coerced confession to an I.R.A. bombing he did not commit results in the imprisonment of his father as well. Meanwhile, a British lawyer fights to clear their names and free them.لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
الظلم مَقيت.. كريه في كل زمان ومكان. وفي هذا الفيلم نرى القصة الحقيقية لرباعي "جلدفورد".. (أربعة أيرلنديين اتُهموا ظلمًا بالقيام بعملية إرهابية شنيعة) وكما يحدث عندنا معظم الوقت، فإن البوليس البريطاني -التواق إلى حل ألغاز القضية- يلجأ إلى سجن أربعة أبرياء وستة أفراد من أسرة واحدة.. لا يعترفون!
هناك حل عبقري اسمه التعذيب الذي يمكن أن يجعل أي واحد فينا يعترف بقتل يوليوس قيصر..
هذا هو محور فيلم "بسم الأب" الذي عُرض عام 1994 فهز العالم. وفي رأيي أنه من الصعب فعلاً ألا تسيل ولو دمعة واحدة على خدك إذْ تشاهد هذا الفيلم الرائع..
هذا في الحقيقة فيلم عن الأب.. الأب الذي يتحدث عنه عنوان الفيلم ليس الأب بمعناه في العقيدة المسيحية، والذي تخاطبه صلاة "أبانا الذي في السموات" المعروفة، ولكنه أبو كل واحد فينا.. الأب الذي أنجبنا وعلمنا كل شيء، وفي لحظة بعينها يموت بين أيدينا..
جيم شريدان هو مخرج أيرلندي عظيم ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس
جيم شريدان هو مخرج أيرلندي عظيم ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس
أخرج الفيلم (جيم شريدان) وهو مخرج أيرلندي عظيم، ارتبط بشكل واضح بالممثل المذهل دانييل داي لويس، ولهما فيلمان شهيران هما "الملاكم" و"قدمي اليسرى". قصة الفيلم لجيري كونلون وهو واحد من رباعي جيلدفورد الذي سجن ظلمًا وكتب كتابًا يثبت براءته بعد خروجه من السجن. كتب شريدان السيناريو عن هذا الكتاب بالتعاون مع تيري جورج. كل عناصر الفيلم مختارة بعناية، وبالطبع نذكر منها موسيقى تريفور جونز، والتصوير الساحر لبيتر بيزيو.
لكن يجب أن نعترف بأن الفيلم لم يكن ليوجد من دون دانييل دي لويس، الممثل الظاهرة الذي يعدّ لكل دور يمثله لمدة عام أو أكثر.. وهو الذي استعد لهذا الفيلم بليالٍ طويلة في السجن، حيث يلقي عليه الحراس الإهانات والقاذورات. واستعد لفيلم "سيكون هناك دم" بستة أشهُر من العمل في المناجم في الصحراء. إنه تلميذ الطريقة (Method) أو "استوديو الممثل" بشدة، والتمثيل بالنسبة إليه تجربة مرهقة تأكل الكثير من جسده وأعصابه.
يبدأ الفيلم بمشهد عنيف جدًّا لتفجير حانة جيلدفورد قام به أعضاء جيش التحرير الأيرلندي عام 1974، وتسبب في موت أربعة رجال شرطة بريطانيين. وعلى الفور تبدأ أغنية المقدمة الرائعة التي يغنيها بونو والتي تحمل اسم الفيلم (بسم الأب).
شاهد المقدمة هنا
يقدم لنا الفيلم ذلك اللص الظريف الوسيم جيري كونلون.. شاب أيرلندي مستهتر فعلاً، لكنه لا يستطيع قتل دجاجة. وفي مشاهد ساحرة نرى فراره من رجال الشرطة البريطانيين، بينما يحميه كل الشارع الأيرلندي، وكل الأُسَر وحتى أطفال المدارس. الواقع أنك سوف تتذكر على الفور مشاهد الفلسطينيين والإسرائيليين. وجوه تشابه الشعب الأيرلندي مع الفلسطيني أثارت انتباه كثيرين.
شاهد هذا المشهد الطريف المليء بالحيوية هنا
عندما يقع الانفجار يبحث البوليس البريطاني جاهدًا ومحمومًا عن شخص تُلصق به الاتهامات. يقودهم البحث إلى اتهامه هو لأنه كان في رحلة إلى لندن، ويتهمون أصدقاءه وستة من أسرته بالتورط في هذه العملية.
هنا ندرك أن طرق البوليس البريطاني ليست علمية جدًا.. إنهم يعذبونه معنويًا، حيث يهددونه طيلة الوقت بأنهم سيقتلون أباه.. وهكذا يضطر إلى الاعتراف بما لم يفعله..
يبدأ الجزء الثاني من الفيلم، حيث نرى الأب والابن في زنزانة واحدة بالسجن البريطاني، وهو يعرف أن هناك خمسة آخرين من أفراد أسرته في السجن. الأب هو الممثل بيت بوسلثويت، الذي يقدم مع دانييل داي لويس أداءً مذهلاً. لأول مرة يقترب الأب المتدين الكاثوليكي من ابنه الهيبي المستهتر إلى هذه الدرجة.
وفي الوقت نفسه تجاهد المحامية الباسلة جاريث بيرس التي تقوم بتمثيلها إيما تومسون، كي تعيد التحقيق في القضية.
هذا الفيلم يتعامل مع السجن وعلاقة السجناء ببعضهم بحساسية بالغة. إنه يقترب جدًا من النسيج الإنساني بدلاً من أن يرينا مجموعة بلطجية. ونعيش مع المساجين لحظات طويلة خاصة عندما يحدث تمرد يسيطرون فيه على السجن بضعة أيام، والمشكلة هنا أن جيري يقابل في السجن رجلاً أيرلنديًا يعترف له بأنه هو الذي دبر انفجار الحانة!.. لكنه لا يستطيع تبرئة نفسه ولا أبيه.
يكون على جيري أن يتحمل أن يمضي في هذا الكابوس 15 عامًا، وأن يموت أبوه المريض بداء الصدر بين ذراعيه.
تأمل أداءه الخالي من الصخب وشديد الهدوء. وإذ يخبرونه بأن أباه قد مات؛ يظل ساكنًا في الوضع السابق ذاته، ويقول بطريقة أقرب للامبالاة: "أوه.. شكرًا لك"..
ولكننا نعرف جيدًا كيف يشعر، لهذا تبدو هذه العبارة قوية جدًا.. إنها مؤثرة أكثر بمراحل مما لو راح يصرخ ويبكي ويتلوى على الأرض..
تتصاعد عبر نوافذ السجن صيحات: لقد مات جيسيبي يا رجُل!!
هنا يشعل كل سجين ورقة ويلقي بها من النافذة، وهكذا تنهمر الأوراق المشتعلة من النوافذ في جنازة رهيبة.. مشهد لا يمكن أن يوصف ما لم تره، حيث يتداخل التصوير والأداء مع الأغنية الرائعة.. وكما يقول الأمريكان: لو لم يتجعد جلدُك لرؤية هذا المشهد فجلدك ضيق عليك جدًا!
وفي النهاية تكتشف المحامية ورقة تثبت أن جيري كونلون لم يكن في لندن وقت الانفجار.. والأدهى أن البوليس البريطاني تأكد من هذا، وكتب على المذكرة: "لا تُعرض على دفاع المتهم!".
لقد تآمر النظام القضائي البريطاني بالكامل على هؤلاء الأربعة، وسرق منهم خمسة عشر عامًا من عمرهم، لمجرد أنهم أيرلنديون..
تكشف المحامية هذه الحقائق أمام المحكمة وهي تنفجر بالبكاء، ولا يجد القاضي البريطاني سوى أن يعترف ببراءة الجميع ويطلق سراحهم في مشهد مُزلزِل..
يواجه جيري الصحافة ليعلن أنه لن يغفر للبوليس البريطاني هذه الأعوام في السجن، وأخته التي دخلت السجن فتاة نضرة وتغادره امرأة في منتصف العمر، وأباه الذي مات في السجن دون أية رعاية طبية..
بسم الأب سوف يخوض معركته..
بسم الأب سوف يفضحهم جميعًا..
رُشح الفيلم لسبع جوائز أوسكار لكنه لم ينل أي شيء، وهذا طبعًا بسبب أنه تنافس مع فيلم "قائمة شندلر" الذي يحكي عن عذاب اليهود والمحرقة، وهو موضوع مضمون لحصد جوائز أوسكار في الخارج. لكن الفيلم قد نال عشرات جوائز الأوسكار لدى كل من رآه.. فهو من عالم تلك السينما الراقية التي تجعلنا أفضل..
كان هذا فيلمًا مهمًا من الحافظة الزرقاء.. - DirectorRidley ScottStarsHarrison FordRutger HauerSean YoungA blade runner must pursue and terminate four replicants who stole a ship in space and have returned to Earth to find their creator.لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.
كما قال مدحت محفوظ في ترجمته الرائعة لكتاب "السينما الخيالية" لبيتر نيكولز، فإن ترجمة عنوان هذا الفيلم عسيرة، لأنها تحتمل عدة معانٍ كلها صحيحة، من الوارد أن ترى هذا الفيلم في القنوات الفضائية اليوم، لكنه غير مشهور في مصر جدا برغم كونه من أهم أفلام الخيال العلمي في التاريخ، وقد ظهرت منذ أعوام قليلة النسخة التي تحمل تقطيع المخرج مع إعادة التصحيح الرقمي، فأدرك الناس أن هذا الفيلم عمل لا يشيخ.. قابلنا المخرج البريطاني العظيم ريدلي سكوت من قبل في فيلم "الغريب"، فدعنا نتذكر ما قلناه: إنه مخرج سينمائي قادم من عالم الإعلانات، يملك سيطرة كاملة على أدواته السينمائية، ويقدر أن يقول ما يريد بشكل بليغ، كما أنه قادر على أن يستولى على المُشاهد بسهولة تامة، حيث قدم سلسلة أفلام ناجحة يذكر منها "المصارع" و"مملكة السماء" و"سقوط الصقر الأسود" و"هانيبال" و"برومثيوس" و"بليد رانر"..
عرف الناس اسم ريدلي سكوت أول مرة واهتموا به جدا، مع فيلم "الغريب" الذي قدمه عام 1979، هذا الفيلم قد أوجد عالمه الخاص من التأثيرات وطرق التصوير والإضاءة.. ولا شك أنه ترك آثارا عميقة في أفلام الخيال العلمي التالية، وخصوصا "ماتريكس".. الآن يثبت أنه ليس مجرد وافد على عالم الخيال العلمي، بل هو قادر على احتلال مكان مهم بين صانعيه..
ريدلي سكوت هو مخرج قادم من عالم الإعلانات
ريدلي سكوت هو مخرج قادم من عالم الإعلانات
عرض الفيلم عام 1982 عن رواية خيال علمي للكاتب فيليب ديك تنتمي إلى أدب السايبر بانك، وتحمل هذا العنوان الغريب "هل تحلم الأندرويد بشاه كهربائية؟". وهي رواية قاتمة تصور أرضا فقدت مواردها كلها تقريبا، وهاجر معظم سكانها..
التصوير كان عملية شاقة، وسوء التفاهم كان كاملا بين سكوت وبطل فيلمه هاريسون فورد، كما أن الطاقم الأمريكي لم يحب قط العمل مع مخرج بريطاني بدا لهم سمجا باردا.. لهذا اشتهر تصوير هذا الفيلم بأنه تمرين في كراهية الأجانب..
استخدم ريدلي سكوت أسلوبا بصريا يمت إلى الفيلم نوار (أو الأفلام السوداء)، وهي تلك الأفلام القديمة التي تحكي عن عوالم العصابات والمخبرين السريين الذين لا يقلون شراسة عن المجرمين أنفسهم.. عالم الدخان الكثيف المتصاعد من المجاري والأزقة الخلفية والمطر والظلال في كل مكان.. نفس الأسلوب العتيق المستخدم في أفلام همفري بوجارت، بل إنه يضيف تعليقا صوتيا Voice over بصوت هاريسون فورد كما يحدث في تلك الأفلام القديمة حرفيا.. استعاد ريدلي سكوت هذا الجو كله ليصور لنا لوس أنجيليس مدينة المستقبل عام 2019 (لاحظ أن هذا التاريخ لم يعد بعيدا)، طبعا مع لمساته اللونية المميزة.. لدى سكوت قدرة مذهلة على أن يريك أشياء مستقبلية عتيقة!
شاهد الحي الصيني كما يبدو في الفيلم، بينما يقف هاريسون فورد يلتهم النودلز تحت المطر، لاحظ الجو العام.
هناك أندرويدات (الفارق بين الأندرويد والسايبورج والروبوت والربليكانت يهم عشاق الخيال العلمي، لكني لا أرى فارقا واضحا بصراحة) تمكنت من الهروب من المستعمرات التي تعمل فيها خارج الأرض، ومن المستحيل أن تميزها عن البشر.. لهذا تعهدت الحكومة لهاريسون فورد بالبحث عن هذه الأندرويدات وتدميرها.. وهي مهمة خطرة لأن هذه الكائنات قوية جدا.. إنها أحدث طراز تم صنعه ويدعى Nexus 6.. إن الأندرويدات عنيفة وقوية، لذا من الممنوع أن توجد على كوكب الأرض أصلا.
هناك اختبار اسمه "فويت كامف" يتم فيه قياس اتساع الحدقة لدى سماع أسئلة غريبة.. هكذا يمكنك أن تفرق بين الأندرويدات والبشر العاديين لدى سماع أسئلة غريبة أو صادمة أو مقرفة، على غرار: أنت تشاهد التليفزيون، فجأة هناك دبور على ذراعك.
هذا عيد ميلادك، هناك من يجلب لك هدية هي حافظة من جلد الحملان.
أنت تشاهد مسرحية، على المسرح يجلس الأبطال يأكلون وجبة من المحار النيئ.
في بداية الفيلم يتم استدعاء ديكارد (هاريسون فورد) الذي يعمل بليد رانر (وهو مصطلح نستنتج معناه من القصة)، للقبض على ستة أندرويدات هربت على سفينة مخطوفة يقودها من يدعى "بريس".. مطلوب منه تصفيتها.. في شركة "تيرل" التي أنتجت هذه الأندرويد قديما، يقابل الحسناء شون يانج التي يعرف أنها ربليكانت.. وهي نفسها لا تصدق ذلك لأنهم زودوها بذاكرة صناعية.
هي لا تعرف أن ذكرياتها هذه ذكريات إنسان حقيقي غيرها..
يذكر من شاهدوا الفيلم دوري داريل هانا وروتجر هاور.. وهما من الأندرويد فائقي السرعة والقوة.. الثاني ظهر في أفلام روكي، وهو يبدو كائنا فضائيا فعلا بملامحه الغريبة وجسده العملاق ووجهه الخالي من التعبير.
شاهد هنا مشهد دخول البطل ديكارد قاعة مليئة بالدمي وانقضاض داريل هانا عليه فجأة، إنه مشهد مخيف فعلا.
في النهاية يدور صراع عنيف بين هاريسون فورد والأندرويد روتجر هاور فوق سطح بناية برادبوري، وهي بناية شهيرة جدا، تم تصوير أفلام عديدة فوقها، وهو صراع يكون فورد فيه هو الطرف الضعيف، والضعيف جدا.. لكن في اللحظة الأخيرة يتركه روتجر يعيش، وهذا قد خضع لتفسيرات عديدة، منها تفسير سكوت نفسه: هذه تحية من محارب شريف لمحارب شريف آخر..
يعود فورد إلى شقته ليجد الأندرويد راشيل هناك.. وينطلق معها نحو أفق يتوهج بشمس سريالية غامضة لا نعرف إن كانت تعني الخير أم الشر لهما.. قليل جدا من المشاهدين فهم أن فورد هو ربليكانت آخر، وهو ما قاله سكوت بعد ذلك بأعوام، والسبب هو جو الغموض العام المخيم على الفيلم، مما يجعله بحاجة إلى أكثر من مشاهدة..
لم يلقَ الفيلم نجاحا كبيرا في البداية، لكن مع الزمن أدرك الناس قيمته وروعته.. واليوم صار يحتل مكانه كواحد من أهم أفلام الخيال العلمي مثله مثل "سولاريس" و"أوديسة فضائية".. ومن الأشياء الطريفة كذلك إشاعة تقول إن الفيلم جلب النحس لكل شركة تم الإعلان عنها فيه.. هكذا انتهت شركة "أتاري" التي ظهر إعلان لها في الفيلم وشركات أخرى كثيرة.
إن "بيلد رانر" فيلم جدير بأن يوجد في الحافظة الزرقاء، وأن تشاهده أكثر من مرة. - DirectorGordon HesslerStarsJohn Phillip LawCaroline MunroTom BakerSinbad and the vizier of Marabia, followed by evil magician Koura, seek the three golden tablets that can gain them access to the ancient temple of the Oracle of All Knowledge.
- DirectorJoseph L. MankiewiczStarsLaurence OlivierMichael CaineAlec CawthorneA man who loves games and theater invites his wife's lover to meet him, setting up a battle of wits with potentially deadly results.لا توجد في هذه الحياة الدنيا حقائق مطلقة، ولا يوجد عباقرة.. كلنا مخدوعون واهمون، وكلما توهمنا أننا أذكى من الآخرين وأننا نمشي على جادة الصواب، اكتشفنا أن هذا جزء من لعبة يمارسها شخص آخر أذكى منا. هذا هو تقريبًا ما يريد فيلم "المخبر" أن يقوله لنا، لكنه يخبرنا به عن طريقة قصة (تبدو) بوليسية.. وعن طريق مباراة أداء مذهلة بين ممثلين عظيمين هما لورانس أوليفييه ومايكل كين.. ممثلان بريطانيان استحق كل منهما لقب "سير".
عرفتُ الفيلم من مقال للراحل سامي السلاموني، ومعلوماتي أنه عُرض فقط في نادي سينما القاهرة عرضًا خاصًا، لكن صديقًا لي أكد أنه شاهده في السينما في طفولته. على كل حال رأيته فيما بعد في برنامج نادي السينما بالتلفزيون مع الرائعة درية شرف الدين، وانبهرت به.
لفيلم من إنتاج عام 1972؛ فلا تخلط بينه من فضلك وبين النسخة الحديثة التي عُرضت عام 2007، والتي قدمها كنيث براناه. لم أر الفيلم الجديد فلا يمكن أن أزعم أن القديم أفضل، وإن كنت أميل إلى هذا الرأي على كل حال.. الفيلم الجديد كتب السيناريو له هارولد بنتر -الكاتب الحاصل على جائزة نوبل- مما يجعله جديرًا بالمشاهدة..
أخرج الفيلم مخرج مهم جدًا هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "الكونتيسة الحافية" و"كليوباترا". أما السيناريو فهو للكاتب المسرحي الكبير أنطوني شيفر الذي كتب سيناريو أفلام مثل "الجنون" - "رجل الخيرزان" - "قتل في قطار الشرق السريع" - "الموت على النيل".. والفيلم عن مسرحية له.
خبرنا الفيلم في التترات أنه من بطولة ثلاثة ممثلين؛ هم لورانس أوليفييه ومايكل كين وأليك كوثورن. الحقيقة أنه من بطولة رجلين فقط، لأننا نكتشف في السياق أن أليك كوثورن هو مايكل كين نفسه.. وينزع قطع الماكياج المذهل أمامنا قطعة قطعة!
القصة تدور في مكان واحد تقريبًا..
هناك كاتب قصص بوليسية ثريّ اسمه وايك -يلعب دوره لورانس أوليفييه- يعيش وحده في قصر جدير بالقصص.. الحديقة على شكل متاهات معقدة، والبيت نفسه مليء باللعب الميكانيكية التي تبعث الرعب في القلوب.. معظم هذه الألعاب بحجم الإنسان. صمم ديكورات القصر كين آدام -مصمم المناظر الأسطوري- الذي عرفناه من أفلام جيمس بوند.
المؤلف واقع في حب فتاة فنلندية، وهو متزوج لكنها زيجة تعسة فعلاً، وهو يعرف جيدًا أن زوجته واقعة في قصة حب مع الكوافير الخاص بها.. وهو فاتن نساء من أصل إيطالي يلعب دوره (مايكل كين).. غريب أن يلعب مايكل كين البريطاني جدًا جدًا دور رجل إيطالي، لكن هذه الأمور لا تضايقنا طبعًا بينما هي تغيظ الغربيين.
إن المؤلف يدعو الكوافير الإيطالي الوسيم إلى داره.. والهدف هو الانتقام منه ووضعه في لعبة عقلية قاسية. يقترح على الكوافير الإيطالي أن تكون المنفعة مشتركة بينهما، باعتبارهما رجلين ناضجين ويفهم كل منهما الآخر.. الكوافير سيسرق بعض المجوهرات الثمينة من القصر لينفق منها على الزوجة.. وفي الوقت نفسه سوف يستفيد المؤلف بمبلغ التأمين على المجوهرات. بعد لأْيٍ يقتنع الكوافير بهذه الحيلة المزدوجة ويتنكر ويتسلل إلى البيت من الخارج ليجعل السرقة مسبوكة أمام الشرطة، فتكون النتيجة هي أنه وضع نفسه بالضبط في موضع اللص.. ويصير من حق المؤلف أن يطلق عليه الرصاص لأنه لص تسلل إلى داره!
بعد يومين من هذا يتلقى المؤلف زيارة من مفتش في سكوتلانديارد اسمه دوبلر.. يبدو لنا أنه الممثل المجهول المذكور في تترات الفيلم باسم أليك كوثورن. المفتش يحقق في اختفاء الكوافير الإيطالي.. يخبره المؤلف ضاحكًا أنه لعب لعبة قاسية مع الكوافير، وفي النهاية أطلق عليه الرصاص فعلاً لكنه رصاص فشنك.. أي أنه جعله يعيش كل أهوال الموت دون أن يموت، ثم أطلق سراحه! لكن الأمور لا تبدو بهذه البساطة للمفتش.. هناك آثار طلقات.. هناك دم على السلم.. هناك اختفاء غير مبرر للكوافير.. هناك دافع الغيرة.. أنت مقبوض عليك يا سيدي بتهمة قتل الكوافير. لقد وجد المؤلف نفسه في مصيدة محكمة.. وسرعان ما يقيده المفتش بالأصفاد..
في اللحظة التي يوقن فيها المؤلف أنه ضاع، يبدأ المفتش في نزع الماكياج ببطء.. وهنا نكتشف أنه الكوافير مايكل كين ذاته!..
الآن تتضح جوانب الصراع بين الشخصيتين. المؤلف الثري يحتقر الكوافير ذا الأصل الإيطالي بشدة، لكنه كذلك منبهر بكونه استطاع أن يخلب لب زوجته. الكوافير يحتقر المؤلف الثري المترف الذي لا يصنع شيئًا حقيقيًا في الواقع. هكذا سيكون على الرجلين خوض صراع عقلي لا ينتهي.. عشرات الألعاب والدعابات العملية المتقنة فعلاً.. وفي كل مرة تبدو اللعبة متقنة بطريقة (يبدو أن الأمر حقيقي هذه المرة) مما يثير الرعب في نفس اللاعب.
مثلاً يقنع الكوافير المؤلف بأنه عرف عشيقته الفنلندية وأقام علاقة معها، ثم قتلها ودفن جثتها.. لكنه ترك في القصر علامة سوف يجدها رجال الشرطة بسهولة ويتهمون المؤلف بقتل عشيقته. هكذا يبحث المؤلف عن الدليل في جنون وبسرعة قبل وصول رجال سكوتلانديارد.. وما إن يتخلص المؤلف من الدليل حتى يدرك أنها لعبة أخرى قاسية.. إن الفتاة الفنلندية حية ترزق..
تتصاعد اللعبة وتحيرنا معها، وإن كان هناك كثير من الافتعال في الواقع؛ فليس الفيلم بلا ثغرات وأحيانًا يكون مملاً..
وفي النهاية يفقد المؤلف أعصابه ويقتل الكوافير، بينما يصل رجال الشرطة، وترقص كل الدمى العملاقة في القصر رقصتها العبثية المجنونة..
يقول الكوافير وهو يحتضر:- "فقط تذكر أن هذه مجرد لعبة دموية مسلية"!
وينتهي الفيلم وقد خسر الجميع.. الليلة لا يوجد فائزون..
كان استقبال الفيلم إيجابيًا جدًا لدى النقاد، ورُشح لجوائز أوسكار عديدة لكنه لم ينلها، وإن نال أوليفييه جائزة نقاد نيويورك.
في الفيلم الجديد الذي عرض عام 2007 يلعب مايكل كين دور المؤلف، بينما يلعب جود لو دور الكوافير.. طبعًا اسم (هارولد بنتر) يجعله جديرًا بالمشاهدة..
إن الفيلم درس ممتاز في كتابة السيناريو، وفي اللعب بالمُشاهد، وفي استغلال المكان الواحد خير استغلال.. كما أنه يخبرنا بشيء كنا نعرفه جيدًا: نحن لسنا بالبراعة التي نحسبها!
كان هذا الفيلم فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.
تاريخ النشر: 28/04/2011 - 03:18:33 pm
عنوان المقال:
[link]http://www.boswtol.com/art-and-entertainment/variety-entertainment/11/april/28/32454[/link] - DirectorFrancis Ford CoppolaStarsGene HackmanJohn CazaleAllen GarfieldA paranoid, secretive surveillance expert has a crisis of conscience when he suspects that the couple he is spying on will be murdered.عندما قدّم فرانسيس فورد كوبولا -المخرج الأمريكي الكبير ذو الأصل الإيطالي- فيلم "المحادثة"، لم تكن هذه فرصة منحتها شركات الإنتاج في لحظة كرم حاتمي لشاب جاء من فراغ. الحقيقة أن كوبولا كان قد قد قدّم فيلمًا أسطوريًا اسمه "الأب الروحي"، وقد شجّع هذا الشركات على أن تسمح له بأي ميزانية يطلبها، خاصة أنها كانت قبل "الأب الروحي" متشككة وقلقة، والأدهى عندما منح دورًا كبيرًا في الفيلم لشاب لم يسمع عنه أحد، اسمه آل باتشينو. لكن هذا ليس موضوعنا على كل حال.
"المحادثة" (1974) فيلم جميل.. يمكنك أن تشاهده كقصة بوليسية ممتعة، أو تشاهده كفتح سياسي خطير، أو تشاهده كدراسة نفسية معقدة عن الشكّ في الآخرين.. هو إذن من تلك الأفلام التي تحوي شيئًا يروق لكل واحد.
كَتَب السيناريو كوبولا بنفسه عام 1966، وإن لم يستطِع الحصول على مَن ينتجه إلا بعد 8 أعوام، وبعد نجاح "الأب الروحي" كما قلنا. وقام ببطولة الفيلم جين هاكمان؛ وجين هاكمان "ممثل شخصية" خطير يمكنه أن يقنعك بأي دور يقوم به، ويقول دومًا إنه سعيد أنه ليس وسيمًا وإلا لاضطرّ لتمثيل أدوار النجوم فقط.. بملامحه هذه يمكنه أن يكون أي واحد.
الفيلم يرينا كيف أن وسائل التكنولوجيا الحديثة قد جعلت التلصص على الآخرين أسهل.. وفي الوقت ذاته يمكن لهذه التكنولوجيا أن تعطينا صورة خادعة تمامًا!. طبعًا يتكلّم الفيلم عن وسائل الاتصال عام 1974.. يمكن أن نتخيّل كم ازدادت المشكلة تعقيدًا مع تكنولوجيا اليوم.
إن الفيلم يبدأ بداية شهيرة جدًا؛ حيث نتابع المتنزّهِين في متنزه عام في سان فرانسسكو في لقطة واحدة طويلة جدًا.. تركّز الكاميرا بالذات على رجل وامرأة يتبادلان حديثًا عابرًا.. لا نسمعه بوضوح في البداية.. لكن هذه المحادثة ستكون محور الفيلم بعد ذلك، ولسوف نسمعها عشرات المرات بشكل أوضح.. هذا هو المشهد الوحيد الباقي من عمل المصور هاسكل وكسلر قبل أن يختلف مع المخرج فنيًا ويترك الفيلم، وبعده جاء باتلر الذي عمل مع كوبولا في معظم أفلامه بعد ذلك.
هكذا نتعرّف على جين هاكمان -خبير التنصت الذي يعرف الجميع براعته، ويستأجره الكثيرون لتسجيل محادثات معينة- وبما أنه يعرف قدرات أجهزته فإنه يعيش في حالة بارانويا دائمة.. شقته خالية من الأثاث تمامًا ليسهل عليه اكتشاف أي جهاز مدسوس، ولا يستعمل إلا أجهزة الهاتف العمومي فقط؛ فلا يحتفظ بهاتف في شقته. وهو مولع بالعزف على الساكس في شقته على أسطوانات الجاز التي يملكها.
إنه متجرد تمامًا، أو هكذا يحاول أن يكون.. يتصرّف كعاملة الآلة الكاتبة التي تنسخ دون أن تستوعب حرفًا مما تنسخه؛ لهذا لا يهتم أبدًا بمحتوى ما يقوم بتسجيله.. فلا تشغله إلا دقة الصوت وأن يكون "نقيًا كالكريستال".
كلّفه أحد العملاء بتسجيل محادثة الرجل والمرأة في المُتَنَزَّه، وهي مهمة يقوم بها بنجاح تام، وبطريقة معقدة فعلاً.. ألم يعلّمونا أن خير طريقة لتجنّب تسجيل المحادثة هي أن تدور وتدور ولا تقف في مكان واحد؟ نكتشف أن هذه خرافة.. لقد سجّل المحادثة بدقة مذهلة، لكنه لا يفهم شيئًا مما يتكلّمان عنه.. فقط يقوم بتنقية الحوار أفضل فيلتقط عبارات مريبة:- "سوف يقتلنا لو نال الفرصة لذلك".
يُحاول أن يتجنّب تسليم الشريط للزبون.. من الواضح أن هناك مذبحة ستتم لو تم تسليم الشريط له، فكل شيء يوحي بأن الزبون زوج يريد التجسس على زوجته. يشعر هاكمان أن حياته تتحوّل إلى جحيم؛ بسبب الملاحقة والتنصت عليه.. هناك مَن يتابعه باهتمام، وفي النهاية يسرق أحدهم الشريط منه.
إن هذا البحث المضطرب وحالة عدم الفهم هذه، يُذكراننا بفيلم آخر هو "تكبير" لمايكل أنجلو أنطونيوني.. ولا ينكر كوبولا أنه تأثّر بالفيلم الأخير، الذي كان يتعلّق بمصوّر محترف يلتقط صورة مريبة.
ينتظر حدوث مأساة.. في الحقيقة تحدث مأساة فعلاً، لكن المعطيات كانت خاطئة تمامًا، وما توقّعه هو العكس..
يجن جنون هاكمان، ويبحث في شقته عن جهاز تنصت في أي ركن.. يمزق كل شيء ويُدمّر كل شيء، وينزع لوحات الأرضية في هذا البحث المجنون، ويأتي مشهد النهاية لنجده جالسًا منهكًا على الأرض، يستعمل الأداة الوحيدة السليمة الباقية في شقته.. الساكس.. الجهاز الوحيد الذي يثق به..
عندما عرف العالم تفاصيل فضيحة ووترجيت التي كان الرئيس الأمريكي نيكسون يستعمل فيها أجهزة التنصت على خصومه السياسيين؛ فوجئ مخرج الفيلم كوبولا عندما عرف أن نيكسون استعمل أساليب التنصت نفسها المستعملة في الفيلم. وبرغم هذا فإن الفيلم تمّ الانتهاء منه قبل أن تنشر الصحف الفضيحة، لكن الفيلم عُرض بعد استقالة نيكسون فعلاً، وهو ما دعا الجمهور لأن يعتقد أن الفيلم يعبّر عن فضيحة ووترجيت.
نال الفيلم استحسان النقاد، وضمّته مكتبة الكونجرس إليها لأهميته، فلم يستطِع فيلم سابق الدخول إلى عالم التنصت المرعب بهذه الدقة.. وقد فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان لعام 1974. ورُشّح لثلاث جوائز أوسكار وإن لم ينل أيًّا منها.. الفارق بين الترشيح والفوز طفيف جدًا على كل حال.
بعد أعوام طويلة (22 عامًا) قدّم جين هاكمان ما يُعتبر الجزء الثاني من هذا الفيلم، واسمه "عدُوّ الولاية". يمارس عمله في المختبر الصوتي نفسه ويلبس الثياب نفسها تقريبًا.. وفيه مشهد افتتاحي ضخم يُذكّرنا بالمشهد الافتتاحي في "المحادثة".
كان هذا فيلمًا رائعًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.
تاريخ النشر: 05/05/2011 - 05:19:48 pm
عنوان المقال:
[link]http://www.boswtol.com/art-and-entertainment/variety-entertainment/11/may/5/32930[/link]